فحالُ هؤلاء الربحُ الظاهر في الدنيا عند ظنِّهم، لكنهم سيدفعون الثمن في الدنيا والآخرة، في الدنيا تمحق بركةُ رزقِهم، ويسلَّط عليهم البلاء، وفي الآخرة يدفَعون ما سرقوه أضعافًا مضاعفة؛ ففي الحديث الذي ذكرناه من قبلُ عن ابن عمر حيث جاء فيه: ((وما نقَص قوم المكيالَ إلا ابتُلِوا بالسنين وشدةِ المَؤونة، وجَور السلطان))، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما طفَّف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزانًا إلا منَعهم الله عز وجل القَطْر)) [1]. وعند أبي داود عن عائشةَ رضي الله عنها أنها ذكَرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيكِ؟))، قالت: ذكرتُ النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أما في ثلاثةِ مواطن فلا يذكُرُ أحَدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخفُّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]، حتى يعلم أين يقع كتابُه، أفي يمينِه، أم في شِماله، أم مِن وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم)) [2]. وعن ابن عباس قال: "ما ظهَر الغُلول في قوم إلا ألقى اللهُ في قلوبهم الرعبَ، ولا فشا الزنا في قوم إلا كثُر فيهم الموت، ولا نقَص قومٌ المكيال والميزان إلا قُطِع عنهم الرزق، ولا حُكِم بغير حق إلا فشا فيهم الدمُ، ولا ختر قومٌ بالعهد إلا سُلِّط عليهم العدو"؛ أخرجه في الموطأ.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الإسراء - الآية 35
والمراد بالعقود في الآية الأولى كل ما يشمل العقود التي عقدها الله علينا وألزمنا بها من الفرائض والواجبات والمندوبات، وما يشمل العقود التي تقع بيننا في تعاملاتنا اليومية، وما يشمل العهود التي قطعها الإنسان على نفسه، والتي لا تتنافى مع شريعة الله تعالى. و قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: "المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض، وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح". والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله.. أي دين الله، فإن ظهر في هذه العقود أو العهود أو الشروط ما يخالف شرع الله رفض أو رد، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". وفي الآية الثانية: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" أمر إلهي بالوفاء بالعهود التي بين الخالق وعباده، وأيضاً التي بين الناس مع بعضهم بعضا، والوفاء بعهد الله الالتزام بأوامره ونواهيه، وعهد الناس: ما يتعاهدون عليه من معاملات وعقود وغير ذلك مما تقتضيه شؤون حياتهم ومصالحهم في الدنيا. وفي الآية الثالثة: "وبعهد الله أوفوا" أمر إلهي بالوفاء بكل ما أمر به سبحانه وعهد به إلينا من عبادات ومعاملات، وهذا ليس معناه أن يفي المسلم بكل ما تعاهد عليه مع آخرين، فالعقود والعهود التي تحتوي على ظلم أو باطل أو فساد غير جديرة بالاحترام، ويجب التخلص منها.
آخر تحديث:
3 / 3 / 2021م - 10:54 م بتوقيت مكة المكرمة
الرئيسية السيرة الذاتية أخبار ومتابعات مقالات
مكتبة الصور المؤلفات محاضرات صوتية ومكتوبة تواصل معنا البحث المتقدم كتاب الموقع الأرشيف
من كلام أمير المؤمنين
إذا لوحت للعاقل فقد أوجعته عتاباً الإمام علي (ع)
» مقالات » محاضرات
الشيخ فوزي السيف محرر الموقع 1 / 11 / 2014م - 9:57 م
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا). الإسراء
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ( 181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ( 182) الشعراء / قضية النبي شعيب. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِله غَيْرُهُ وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْر وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم مُحِيط * وَيَا قَوْمِ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ( هود: 84 - 85). ( ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ، ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين).