أو كما يقوله من ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ويدخل في هذا الباب المباحث المتعلقة بالمعاد. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الأنعام - قوله تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله - الجزء رقم5. وثالثها: المباحث المتعلقة بالأحكام ، وهي كثيرة ، فإن الكفار كانوا يحرمون البحائر والسوائب والوصائل ويحللون الميتة ، فقال تعالى: ( وإن تطع أكثر من في الأرض) فيما يعتقدونه من الحكم على الباطل بأنه حق ، وعلى الحق بأنه باطل ( يضلوك عن سبيل الله) ، أي عن الطريق والمنهج الصدق. ثم قال: ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد أن هؤلاء الكفار الذين ينازعونك في دينك ومذهبك غير قاطعين بصحة مذاهبهم ، بل لا يتبعون إلا الظن وهم خراصون كذابون في ادعاء القطع ، وكثير من المفسرين يقولون: المراد من ذلك الظن رجوعهم في إثبات مذاهبهم إلى تقليد أسلافهم لا إلى تعليل أصلا. المسألة الثانية: تمسك نفاة القياس بهذه الآية. فقالوا: رأينا أن الله تعالى بالغ في ذم الكفار في كثير من آيات القرآن بسبب كونهم متبعين للظن ، والشيء الذي يجعله الله تعالى موجبا لذم الكفار لا بد وأن يكون في أقصى مراتب الذم ، والعمل بالقياس يوجب اتباع الظن ، فوجب كونه مذموما محرما ، لا يقال: لما ورد الدليل القاطع بكونه حجة كان العمل به عملا بدليل مقطوع لا بدليل مظنون؛ لأنا نقول: هذا مدفوع من وجوه:
الأول: أن ذلك الدليل القاطع إما أن يكون عقليا ، وإما أن يكون سمعيا ، والأول باطل لأن العقل لا مجال له [ ص: 134] في أن العمل بالقياس جائز أو غير جائز ، لا سيما عند من ينكر تحسين العقل وتقبيحه.
إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الأنعام - قوله تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله - الجزء رقم5
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال ، كما قال تعالى: ( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين) [ الصافات: 71] ، وقال تعالى: ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [ يوسف: 103] ، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل "إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون" فإن الخرص هو الحزر ومنه خرص النخل وهو حزر ما عليها من التمر وذلك كله عن قدر الله ومشيئته.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: " فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً، سُمّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين، أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم … وغربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116]". [مدارج السالكين (3/195- 196)]. وإن تطع أكثر من في الأرض. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اصْطَفَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَدْيَانِ، وَزَيَّنَ أَهْلَهُ بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى العدنان وعلى آله وصحبه أولي الهدى والعرفان.