أيها المسلمون:
إن القناعة تعني أن يرضى العبد بما قسمه الله وأعطاه من النعم؛ من صحة وعافية، ومال ومسكن وزوجة، وأن يرى أنه أفضل من جميع خلق الله، وأن يلهج لسانه دائمًا بالذكر والشكر للمُنعم، فيقول: "الحمد لله الذي فضَّلني على كثير من عباده المؤمنين"، وألا يتسخط المقدور، ويزدريَ نعمةَ الله ومنَّته عليه، ويستصغرها، أو أن يرى أنه يستحق أكثر من ذلك. ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 15 - 17].
- الخلق كنز لا يفنى
- قصه القناعه كنز لا يفني مصورة
الخلق كنز لا يفنى
إنّ قيمة الحياة وثروتها الحقيقيّة تتمثل بما يشكِّلُهُ الإنسان حوله من علاقات إنسانيّة حقيقية طيلةَ أيّام حياته، فالإنسان مجبول على التخاطر مع الإنسان والتشارك معه في جميع نواحي الحياة، ومن هنا ظهرت الروابط الإنسانيّة المختلفة التي يتعايش بها الفرد في مختلف المجتمعات الإنسانية، فهناك رابطة الدم، ورابطة النّسب، ورابطة المصاهرة، ورابطة الرضاعة، ورابطة الزمالة في بيئة العمل، ورابطة الصداقة التي قد يشكلها الإنسان مع من حوله في بيئة المدرسة، أو في الحي السكني الذي يعيش فيه، أو من خلال المناسبات الاجتماعية التي يجتمع فيها الناس فيتعرفون فيها على بعضهم البعض.
قصه القناعه كنز لا يفني مصورة
إذن، فنحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى القناعةِ في هذا العصرِ الذي أصبحتْ فيه النَّواحي العاطفيةِ، غيرَ مستقرةٍ.. وأضحتِ الماديةُ تَرُوقُ في نظر الكثيرِ من الناس حتى أصبحوا يتطلَّعونَ إلى كلِّ ما يُمكنُ أن تملُكَهُ أيديهم.. ويتمنَّوْنَ للآخرين زوالَ النِّعمةِ من بين أيديهم ويرجونَ لهم ما لا يرجونه لأنفسهم. نقولُ للإنسان الذي نمثِّلُهُ في ذواتِنا: حين تبحثُ عن السعادةِ لا تَطْلُبِ الكثيرَ، وليكُنْ ذهنُكَ صافياً.. ثم فكِّرْ في أولئكَ الذين ظَفَروا بما كُنْتَ تريدُهُ، واسألْ نفسَكَ هل هم سعداءُ حقاً؟ ولا تخدعْ نفسَكَ فتقولَ إنكَ غيرُهم.. وإنك شاذٌّ عن القاعدةِ العامة.. فهذا رياءٌ وكلامٌ لا يمكنُ الوثوقُ به.. فقد ترى أغلبَ أصدقائكَ مثلاً أشقياءَ في حياتهم الزَّوجيةِ فتقول: "ولكني مختلفٌ عنهم!! ".. من أين لك هذا القول؟؟!! القناعة كنز لا يفنى. ومن الذي أوحى لكَ بذلك؟؟ وما الذي يجعلُكَ تَحْسَبُ أنك وشريكَكَ في الحياةِ الزوجيِّةِ ستكونانِ مختلفَيْنِ بعد أن ترتبطا معاً برباطِ الزوجية؟ وما يكونُ مصيرُكَ إذا لم يتحقق قولُكَ ويَصْدُقْ؟!. فلْنكرِّرُ على أنفسِنا القولَ ولْنُفكِّرْ بهدوءٍ دون أن نخدعَ أنفسَنا ونعلِّلَها بآمالٍ لسنا واثقين من تحقيقها، ولْنَستخدمْ تفكيرَنا السَّليمْ في البحثِ عن الأسبابِ التي نُوقِنُ أنها ستُنِيلُنا السعادةَ، ثم ولْنَعْلَمْ بعد ذلك أن السعادةَ شيءٌ غامضٌ، وأن لها وجوهاً عديدةً، وأن من العسيرِ اقتناصَها أو فهمَها، وأنها لا تدوم طويلاً.
أكمل القراءة إنّ من أعظم النعم التي قد ينعم الله تعالى بها عباده هي القناعة بما قسمه الله تعالى لهم والرضا والتسليم لقدرهم ونصيبهم من الحياة. فقد دعا الله سبحانه وتعالى عباده إلى الرضا بالمُقدّر لهم و التحلّي بالعفاف والقناعة حين قال: (للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لايستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا وما تنفقوا من خيرٍ فإن الله به عليم). فالقناعة في مفهومها العام تعني رضا العبد بقسمة الله له وبالنعم التي أعطاه إياها من الصحة والعافية والمال والبنون والمسكن والشريك، وأن يقتنع بما أعطاه ربه ويداوم على ذكر المولى وشكره وحمده على نعمه. قصة الصبر كنز لا يفنى. حين يتحلّى المؤمن بالقناعة والرضا فإنّه يستغني عن الكفر والصفات السلبية التي قد تدفعه للرذيلة وتودي به إلى الجحيم، فالقناعة تعكس الكثير من الآثار الإيجابية كراحة البال وسكينة النفس وطمأنينة الروح والسلامة من الوسواس والقلق والكآبة والحسد والنكد والغم. كما حثت السنة النبوية الشريفة على التحلي بالصبر ورضا النفس والاقتناع بالنصيب من الدنيا، وأكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القناعة صفة جليلة ودواء للنفوس وزينة للإيمان وسبيل لشكر الله في السراء والصبر على الضراء حين قال: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا، وقنعه الله بما أتى).