والسمع مصدر دالّ على الجنس فكان في قوة الجمع، فعمّ بإضافته إلى ضمير المخاطبين ولا حاجة إلى جمعه. تفسير قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ...). والأبصار جمع بصر، وهو في اللغة العين على التحقيق. وقيل: يطلق البصر على حاسّة الإبصار ولذلك جمع ليعمّ بالإضافة جميع أبصار المخاطبين، ولعلّ إفراد السمع وجمْع الأبصار جرى على ما يقتضيه تمام الفصاحة من خفَّة أحد اللفظين مُفْرداً والآخر مجموعاً عند اقترانهما، فإنّ في انتظام الحروف والحركات والسكنات في تنقُّل اللسان سِرّاً عجيباً من فصاحة كلام القرآن المعبّر عنها بالنَّظم. وكذلك نرى مواقعها في القرآن قال تعالى: { وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء} [الأحقاف: 26]. والقلوب مراد بها العقول في كلام العرب لأنّ القلب سبب إمداد العقل بقوّة الإدراك.
ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه
ونلحظ هنا ملحظاً يجب الانتباه إليه، ففي هذه الآية الكريمة يقول الحق سبحانه: { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ} [يونس: 31]. بينما يقول في آية أخرى في سورة السجدة: { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ} [السجدة: 9]. ولا بد أن ننتبه إلى الفارق بين " الخَلْق " و " الجَعْل " ، و " الملْك " ، فالخلق قد عرفنا أمره، وملكية كل شيء لله ـ تعالى ـ أمر مُلْزِمٌ في العقيدة، ومعروف، أما " الجَعْل " ، فهو توجيه ما خلق إلى مهمته. فأنت تجعل الطين إبريقاً، والقماس جلباباً، هذا على المستوى البشري، أما الحق سبحانه وتعالى فقد خلق المادة أولاً، ثم جعل من المادة سمعاً وبصراً، وزاد من بعد ذلك { أَمَّن يَمْلِكُ} ، فمن خَلَق هو الله تعالى، ومن جَعَلَ هو الله تعالى، ومن مَلَكَ هو الله تعالى. ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه. معلومة بيانية جميلـــــــــــة: إفراد السمع وجمع البصر: لأن السمع غلب عليه المصدرية (أي حقيقة عملية السمع التي تتم في مركز السمع في المخ) فأفرد ، وهو إدراك لمؤثر واحد وهو الاهتزازات الصوتية. واللائق بالأبصار هو الجمع ، لأن عملية الإبصار تتم عن طريق الإدراك لآثار الألوان المختلفة على مركز الإبصار. قال وقلت: دخل على مجلسنا شاب جليل القدر قريب المكانة وشاركنا في مطعمنا ومشربنا ونحن متبذّلون متبسّطون وفاتحنا بمسألة دقيقة طالباّ تفجير عيونها وإساحة كظائمها: ما الحكمة من إفراد السمع وجمع الأبصار في آيات من كتاب الله.. ؟ قال الشيخ: تلك مسألة نفيسة تكلم فيها السابقون اللاحقون وتنافسوا في تحريرها على وجوه كثيرة منها: إن السمع يُدرَك به من جهات كثيرة وفي الظلمة والنور فإذا توحدت جهة إدراكها توحّد لفظ هذه الجهة ؛ وأما البصر فلا يُرى به إلا جهة واحدة تلك التي تقابلك فلذلك احتيج إلى الجمع والتعداد فيه لإظهار جميع جهات البصر.
(( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)) الآية 52 من سوره الروم.. هنا شبه الله الذين لاينصاعون لامره بالموتى والصم.. (( افأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين)) الآية 40 من سورة الزخرف... ان السمع والبصر والفؤاد كل كان عنه مسؤولا. °قال الله تعالى في سورة النحل آية 78: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون). تفسير علمــــــــــاء الدين: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئا مما يحيط بكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة وسائل للعلم والادراك لتؤمنوا به عن طريق العلم وتشكروه على ما تفضل به عليكم.
ان السمع والبصر والفؤاد كل
وكذلك اختلف هؤلاء ، هل يكتفى بقول واحد من القافة أو لا بد من اثنين لأنها شهادة; وبالأول قالابن القاسم وهو ظاهر الخبر بل نصه. وبالثاني قال مالك والشافعي - رضي الله عنهما -. السادسة: قوله تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا أي يسأل كل واحد منهم عما اكتسب ، فالفؤاد يسأل عما افتكر فيه واعتقده ، والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع. وقيل: المعنى أن الله - سبحانه وتعالى - يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده; ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم -: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإنسان راع على جوارحه; فكأنه قال: كل هذه كان الإنسان عنه مسئولا ، فهو على حذف مضاف. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً. والمعنى الأول أبلغ في الحجة; فإنه يقع تكذيبه من جوارحه ، وتلك غاية الخزي; كما قال: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، وقوله شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك ، وجعلها في هذه الآية مسئولة ، فهي حالة من يعقل ، فلذلك عبر عنها بأولئك. وقال سيبويه - رحمه الله - في قوله - تعالى -: رأيتهم لي ساجدين: إنما قال: رأيتهم في نجوم ، لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل; وقد تقدم.
فإن من سمع حِسَّك، وخَفْيَ صوتك، أقربُ إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم، أو يبصر؛ وإن كان علم الله تعالى وبصره متعلقين بما ظهر وبطن،
وواقعين على ما قرُب وبعُد؛ ولكن ذكر( السميع) أوقع في باب التهديد والتخويف، من ذكر( العليم والبصير) ولهذا كان أولى منهما بالتقديم. فلما كان قوله تعالى:{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} خبرًا يتضمَّن التخويف والتهديد والوعيد، قدِّم السمع على البصر؛ كما قِّم على العلم،
فكان تقديمه أهمّ، والحاجة إلى العلم به أمسّ.. فتأمل! بصيرة في السمع!! وهو قوة في الأذن بها تدرك الأصوات. ان السمع والبصر والفؤاد كل. وفعله يقال له السمع أيضا. وقد سمع سمعا. ويعبر تارة بالسمع عن الأذن نحو: "ختم الله على قلوبهم
وعلى سمعهم" 7 البقرة. وتارة عن فعله كالسماع نحو: "إنهم عن السمع لمعزولون" 212 الشعراء. وتارة عن الفهم، وتارة عن الطاعة، تقول: اسمع ما أقول لك. ولم تسمع ما قلتُ، أي لم تفهم. وقوله "سمعنا وعصينا" 93 البقرة، أي فهمنا ولم نأتمر لك. وقوله "سمعنا وأطعنا" 285 البقرة، أي فهمنا وارتسمنا وقوله: "ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون" 21 الأنفال، يجوز أن يكون معناه: فهمنا وهم لا يعملون بموجبه،
وإذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم من لم يسمع، قال تعالى: "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم" 26 الأنفال، أي أفهمهم بأن جعل لهم قوة يفهمون بها.
ان السمع والبصر والفؤاد كل كان عنه مسؤولا
نقلا عن موقع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الباز
وهكذا سوء ظنك بالله وسوء ظنك بإخوانك من غير دليل أيضاً من أمراض القلب، وهكذا قنوطك من رحمة الله وأمنك من مكر الله كلها أعمال قلبية خطيرة منكرة من كبائر الذنوب، وهكذا النفاق مرض قلبي، كونك تظهر الإسلام وتعتقد الكفر في الباطن في القلب تعتقد أن الرسول ليس بصادق، أو أن الدين ليس بحق أو ما أشبه هذا من اعتقادات أهل النفاق. لماذا قدّم الله السمع على البصر في القرآن. والخلاصة: أن السمع والبصر والفؤاد كلها يجب أن تصان عما حرم الله، عليك أن تصون سمعك عما حرم الله، وبصرك عما حرم الله، وقلبك عما حرم الله، وأن تنظر وتسمع لما ينفعك ويرضي الله عنك، أو ما أباح الله لك، وتعتقد في قلبك ما شرعه الله وما أباح الله، تعمل بذلك كحب الله ورسوله.. خوف الله ورجائه، كل هذه أعمال قلبية مفروضة، حسن الظن بالله، اعتقاد أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة، واعتقاد ما أوجب الله عليك كالصلاة والصوم تعتقد هذا بقلبك أن الله أوجب الصلاة على المكلفين من المسلمين، أوجب الزكاة لمن لديه مال فيه الزكاة، أوجب صوم رمضان لمن استطاع ذلك، أوجب الحج على من استطاع ذلك وهكذا. وأنت مسئول عن هذه كلها يوم القيامة فإن كنت حافظت عليها وصنتها سلمت وحمدت العاقبة، أما إن كنت أسأت التصرف ولم تصنها عما حرم الله فإنك على خطر عظيم، وفيه تفصيل كما تقدم.