الإجابة: الحمد لله. أولًا: إذا كانت جدتك أوصت بثلث مالها، وحددت مصارفه، كالفقراء، أو اليتامى، أو بناء المساجد... إلخ، ولم تذكر أنه يضحى عنها منه: فلا يجوز أن يضحى عنها حينئذ من الثلث، لأن الواجب على الورثة تنفيذ وصية الميت كما أوصى، ولا يجوز تغييرها، ما دام لم يتعد فيها حدود الشرع، قال الله تعالى: { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة/181]. الأضحية عن الأموات - الإسلام سؤال وجواب. قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 85): "وفيه التحذير للموصى إليه من التبديل، فإن الله عليم به، مطلع على ما فعله، فليحذر من الله، هذا حكم الوصية العادلة" انتهى. أما إذا كانت جدتك لم تحدد مصارف معينة، وإنما قالت: يصرف الثلث في أعمال البر، فلا حرج حينئذ من التضحية عنها من الثلث، لأن ذلك داخل في عموم البر، والأضحية عن الميت فيها شبه بالصدقة. ثانيا: اختلف العلماء في مصرف الأضحية عن الميت. فعند الشافعية: لا تجوز الأضحية عن الميت إلا إذا كان قد أوصى بها، ويجب التصدق بها كلها على الفقراء، ولا يجوز أن يُعطى أحدٌ من الأغنياء منها شيئا. فإن كان الذابح لها عن الميت فقيرا، أو كان أحد من أقارب الميت وأهله فقراء، جاز أن يعطى هؤلاء منها بسبب فقرهم، بل قرابته الفقراء أولى من غيرهم.
- حكم الاضحية عن الميت بيت العلم
- حكم الاضحية عن الميت بدون رفع الصوت
- حكم الاضحية عن الميت وتكفينه
حكم الاضحية عن الميت بيت العلم
قال النووي رحمه الله في "المنهاج":
"وَلَا تَضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَا عَنْ مَيِّتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا" انتهى. وقَالَ الْقَفَّالُ: " وَمَتَى جَوَّزْنَا التَّضْحِيَةَ عَنْ الْمَيِّتِ ، لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَحَدٍ ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهَا ، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ ، فَتَوَقَّفَ جَوَازُ الْأَكْلِ عَلَى إذْنِهِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ، فَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ" انتهى من "نهاية المحتاج" (8/144). وفي "حاشيتي قليوبي وعميرة":
"قَالَ شَيْخُنَا: وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهَا ، وَلَا النَّاظِرِ عَلَى وَقْفِهَا ، وَلَا ذَابِحِهَا ، لِتَعَذُّرِ إذْنِ الْمَيِّتِ فِي الْأَكْلِ. نَعَمْ ، إنْ كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ فِيهِ شَرْطُ الْمَيِّتِ ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ أَكْلِه" انتهى. حكم الاضحية عن الميت بدون رفع الصوت. وعند الحنفية ؛ إن كانت الأضحية بوصية من الميت ، وجب التصدق بها كلها على الفقراء ، وإن كانت تبرعا من الحي ، جاز للحي أن يأكل منها. قال ابن عابدين في حاشية (6/335):
"لَوْ ضَحَّى عَنْ مَيِّتٍ وَارِثُهُ بِأَمْرِهِ ، ألزم بِالتَّصَدُّقِ بِهَا ، وَعَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهَا عَنْهُ ، لَهُ الْأَكْلُ ، لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مِلْكِ الذَّابِحِ وَالثَّوَابُ لِلْمَيِّتِ" انتهى.
حكم الاضحية عن الميت بدون رفع الصوت
قول الله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؛ [٦] حيث يدلُّ اقتران الذّبح بالصّلاة على أنّه أفضل القُربات وأجلّ الطّاعات التيّ تُقدّم لله -تعالى-. قول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَن ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ). [٧]
فعل الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لذلك؛ فقد ضحّى بكبشين أملحين أقرنين عنه وعن أهل بيته وعن أمّته، وأفعال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- تُعدّ تشريعاً ويجب الاقتداء به. [٨]
إجماع علماء الأمّة، ولم يُعرف أحد خالف مشروعية الأضحية منذ زمن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى يومنا هذا. هل تجوز الأضحية عن الميت ؟ - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام. [٨]
الحكمة من مشروعية الأضحية
شرع الله -سبحانه وتعالى- الأضحية لعباده المؤمنين لحكم كثيرة، منها ما يأتي: [٨]
إحياءً لسنّة أبينا إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام-؛ وذلك عندما أمره الله -تعالى- بذبح ولده إسماعيل -عليه السّلام-، وافتداه الله -سبحانه وتعالى- بذبح عظيم جزاءً له لامتثال أوامر الله -تعالى- وتقديمها على محبّة ولده. شُكراً لله -سبحانه وتعالى- على نعمه الكثيرة المُغدقة التي أنعم بها على عباده.
حكم الاضحية عن الميت وتكفينه
وظاهر كلام الحنابلة: أنه لا فرق بين كونها عن وصية من الميت أو كانت تبرعا من الحي ، ففي الحالتين يفعل بها كما يفعل بأضحية الحي ، من الأكل والإهداء والصدقة. قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/612):
"(وَ) التَّضْحِيَةُ (عَنْ مَيِّتٍ أَفْضَلُ) مِنْهَا عَنْ حَيٍّ. قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ، لِعَجْزِهِ ، وَاحْتِيَاجِهِ لِلثَّوَابِ. (وَيُعْمَلُ بِهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ مَيِّتٍ (كَ) أُضْحِيَّةٍ (عَنْ حَيٍّ) مِنْ أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ" انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (13/378):
"إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ وَرَثَتَهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ ، فِي الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ مَوْرُوثِهِمْ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ" انتهى. حكم الاضحية عن الميت بيت العلم. والذي يظهر رجحانه – والله أعلم – هو مذهب الحنابلة. لأننا إذا قلنا: إنها أضحية ، فليكن مصرفها هو مصرف الأضحية عن الحي. وبناء على هذا ؛
فلا حرج عليك من الأكل من هذه الأضحية ، وتهدي منها ، وتتصدق. والله أعلم.
(١) ج ١٨ ص ٢٥٢ (٢) سورة العنكبوت، الآية ٦٩. (٣) رواه مسلم في (الإيمان)، باب (كون النهي عن المنكر من الإيمان) برقم ٥٠.