مع أنَّ هؤلاء الصنف من الناس الغريبة لا يَنبِسون ببنت شَفة تُجاه المحاربين صراحًا للدِّين، والمحادِّين لله ولرسوله وللمؤمنين، والمُغيِّرين لمعالمه وشرائعه جهارًا نهارًا؛ لأنهم - بزعمهم - عصاة؛ فهم أقرب إلى الهُدى من المبتدعين - على حدِّ وصفهم وتوصيفهم، وبناء على أصولهم وتأصيلهم! القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الليل - الآية 4. اللهم سلِّمنا وسلِّم منَّا! أيُّها الفاضل الغريب، سَلِم منك الكفرة الأصليُّون، وسلِم منك القَتلةُ الظَّلمة الفَجرة الذين هم لدِين الله محاربون، ولم يَسلَمْ منك إخوانك المسلمون المظلومون؛ بزعمك وتكلُّفك أنهم مبتدعون ضالُّون، وعن المنهج الصحيح خارجون! لا يا أخي الفاضِل! ما هكذا تُورد الإبل، وما هكذا تكون الخدمة للدِّين، وما هكذا كان منهج السَّلف الصالحين!
تفسير قوله تعالى: إن سعيكم لشتى
وصدق بالحسنى أي: صدق بـ" لا إله إلا الله" وما دلت عليه، من جميع العقائد الدينية، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي. فسنيسره لليسرى أي: نيسر له أمره، ونجعله مسهلا له كل خير، ميسرا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك. وأما من بخل بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، واستغنى عن الله، فترك عبوديته جانبا، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها، الذي تقصده وتتوجه إليه. وكذب بالحسنى [ ص: 1975] أي: بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة. فسنيسره للعسرى أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرا للشر أينما كان، ومقيضا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية. إن سعيكم لشتى - أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي - طريق الإسلام. وما يغني عنه ماله الذي أطغاه واستغنى به، وبخل به إذا هلك ومات، فإنه لا يصحب الإنسان إلا عمله الصالح. وأما ماله الذي لم يخرج منه الواجب فإنه يكون وبالا عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئا. إن علينا للهدى أي: إن الهدى المستقيم طريقه، يوصل إلى الله، ويدني من رضاه، وأما الضلال، فطرق مسدودة عن الله، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد.
إن سعيكم لشتى - أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي - طريق الإسلام
المسألة الخامسة: في دخول السين في قوله: ( فسنيسره) وجوه:
أحدها: أنه على سبيل الترفيق والتلطيف وهو من الله تعالى قطع ويقين ، كما في قوله: ( اعبدوا ربكم) إلى قوله ( لعلكم تتقون) [ ص: 183] [ البقرة: 21]. وثانيها: أن يحمل ذلك على أن المطيع قد يصير عاصيا ، والعاصي قد يصير بالتوبة مطيعا ، فهذا السبب كان التغيير فيه محالا. وثالثها: أن الثواب لما كان أكثره واقعا في الآخرة ، وكان ذلك مما لم يأت وقته ، ولا يقف أحد على وقته إلا الله ، لا جرم دخله تراخ ، فأدخلت السين لأنها حرف التراخي ليدل بذلك على أن الوعد آجل غير حاضر ، والله أعلم.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الليل - الآية 4
About Latest Posts داعية متخصص في علم العقيدة والفكر الإسلامي وعلوم القراءات القرآنية. Latest posts by د. محمد صالحين ( see all) إِنَّ هذا المقالَ المتواضعَ ليس تفسيرًا للآيةِ القرآنيةِ الكريمةِ، وإِنْ بَقِيَ يدورُ -بصورةٍ أو أخرى- في فَلَكِها. إِنَّ سَعْيِكُمِ لَشَتَّى.. لذلك: تتوزعُ أنشطةُ الناسِ أو تتوحدُ، وتتنوعُ أعمالُهم أو تتفقُ، وتتباعدُ تخصصاتُهم أو تتقاربُ، وتنأى بِهُمُ الاهتماماتُ أو تتجاورُ؛ ليبقى للحياةِ مذاقُها الخاصُّ، وليبلوَ اللهُ بعضَنا ببعضٍ! إِنَّ سَعْيِكُمِ لَشَتَّى.. وعليه: يستيقظُ البشرُ من نومِهم: منهم صاحبُ العزيمةِ، والمتكاسلُ، ومنهم صاحبُ الهمةِ، والمتراخيْ، ومنهم المخلصُ المتجرِّدُ، والمنافقُ المرائيْ، ومنهم المستبشرُ المتفائلُ، والمُنَفِّرُ المتشائمُ، ومنهم الضاحكُ البسّامُ، والمُكْفَهِرُ العبوسُ، ومنهم المُقْبِلُ الشجاعُ، والمُدْبِرُ الجبانُ، ومنهم الحكيمُ الرزينُ، والرعديدُ النِّزِقُ، ومنهم، ومنهم…! إِنَّ سَعْيِكُمِ لَشَتَّى.. ومِنْ ثَمَّ: نُباشِرُ أجمعونَ أعمالَنا: فَمِنَّا المُدَقِّقُ، والمهملُ، ومنا الحصيفُ، والمتغابيْ، ومنا واسعُ الصدرِ، وضَيِّقُهُ، ومنا جميلُ السلوكِ، وقبيحُه، ومنا حَيُ الضميرِ، ومِيِّتُهُ، ومنا حَسَنُ الأخلاقِ، وسيِّئُها، ومنا السخيُّ الكريمُ، والشحيحُ البخيلُ، ومنا المُسْتَبْصِرُ، والمتعاميْ، ومنا المُيَسِّرُ، والمُعَسِّرُ، ومنا المقسط العادل، والقاسط الظالم، ومنا، منا….!
تفسير و معنى الآية 4 من سورة الليل عدة تفاسير - سورة الليل: عدد الآيات 21 - - الصفحة 595 - الجزء 30. ﴿ التفسير الميسر ﴾
أقسم الله سبحانه بالليل عندما يغطي بظلامه الأرض وما عليها، وبالنهار إذا انكشف عن ظلام الليل بضيائه، وبخلق الزوجين: الذكر والأنثى. إن عملكم لمختلف بين عامل للدنيا وعامل للآخرة. ﴿ تفسير الجلالين ﴾
«إن سعيكم» عملكم «لشتى» مختلف فعامل للجنة بالطاعة وعامل للنار بالمعصية. ﴿ تفسير السعدي ﴾
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هذا [هو] المقسم عليه أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيًرا، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟
﴿ تفسير البغوي ﴾
جواب القسم قوله: ( إن سعيكم لشتى) إن أعمالكم لمختلفة ، فساع في فكاك نفسه ، وساع في عطبها. روى أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كل ، الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ". ﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى-: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هو جواب القسم.