ليس صدفة ورود اسمه صلى الله عليه وسلم في هذه السياقات ذات الدلالة العالية في المسؤولية، فمعلوم أن أعظم ما يضحّي به المؤمن هو نفسه، من أجل هذا الدين العظيم، وقدوتنا في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا بد من فهم أن موضوع الجهاد أعم كثيرا من القتال والتضحية بالنفس في سبيل الله. هذه هي آخر آية من سورة الفتح، والفتح فيها هو صلح الحديبية لا فتح مكة، فالصلح كان مقدمة للفتح الأعظم فتح مكة، وكذلك لنشر الإسلام في كثير من بقاع الجزيرة العربية، حين تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه للدعوة، ولا أدل على أن صلح الحديبية هو فتح، من أن عدد الذين بايعوه صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان (في صلح الحديبية) سنة 6هـ كان ألفا وخمسمائة تقريبا، بينما شارك في فتح مكة بعد سنتين فقط أكثر من عشرة آلاف من الصحابة. ومن الجدير بالذكر أن هذه الآية (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركّعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) قد وضّحت أوصاف الصحابة، وأعلمت أنها مذكورة ليس في القرآن فقط، إنما في التوراة والإنجيل، وأهمها أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، وهو مبدأ الولاء والبراء الذي نجامل فيه كثيرا هذه الأيام، ونرى أيضا تلك الأوصاف الدالة على شدة صلتهم بالله تعالى.
محمد رسول الله والذين معهد
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)... محمد رسول الله والذين معه قران كريم. إلى قوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) قال: يقول: ليس لكم في هذا أسوة. ويعني بقوله: ( وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) يقول: وما أدفع عنك من الله من عقوبة، إن الله عاقبك على كفرك به، ولا أُغْنِي عنك منه شيئًا. وقوله: ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل إبراهيم وأنبيائه صلوات الله عليهم: ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا) يعني: وإليك رجعنا بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى ( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) يقول: وإليك مصيرنا ومرجعنا يوم تبعثنا من قبورنا، وتحشرنا في القيامة إلى موقف العَرْض.
محمد رسول الله والذين معه قران كريم
{ { يَبْتَغُونَ}} بتلك العبادة { { فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}} أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه. محمد رسول الله والذين معهد. { { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}} أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم. { { ذَلِكَ}} المذكور { { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}} أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا. وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم { { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ}} أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء. { { فَاسْتَغْلَظَ}} ذلك الزرع أي: قوي وغلظ { { فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}} جمع ساق، { { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ}} من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: { { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}} حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
محمد رسول الله والذين معه أشداء
يقول تعالى ذكره: فكذلك أنتم أيها المؤمنون بالله، فتبرّءوا من أعداء الله من المشركين به ولا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا بالله وحده ويتبرّءوا عن عبادة ما سواه وأظهروا لهم العداوة والبغضاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ) قال: نُهُوا أن يتأسَّوْا باستغفار إبراهيم لأبيه، فيستغفروا للمشركين. محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن مطرَّف الحارثي، عن مجاهد: ( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)... إلى قوله: ( لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) يقول: في كلّ أمره أسوة، إلا الاستغفار لأبيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)... الآية، ائتسوا به في كلّ شيء، ما خلا قوله لأبيه: ( لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) فلا تأتسوا بذلك منه، فإنها كانت عن موعدة وعدها إياه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ) يقول: لا تأسوا بذلك فإنه كان عليه موعدًا، وتأسوا بأمره كله.
تعريف معنى السيرة النبوية ، السيرة لغة: السنة والطريقة والهيئة والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره. والسيرة النبوية وكتب السيرة: مأخوذة من السيرة بمعنى الطريقة، وأدخل فيها الغزوات وغير ذلك. ويقال قرأت سيرة فلان: أي تاريخ حياته (1). السيرة النبوية المطهرة تبحث: أولا: في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منذ إرهاصات مولده حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى. - ثانيا: في حياة صحابته الذين جاهدوا معه، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه. ثالثا: في تاريخ انتشار هذا الدين الذي ابتدأ بكلمة اقرأ في غار حراء نزل بها الأمين جبريل عليه السلام على الأمين محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى أن دانت الجزيرة العربية به، ودخل الناس في دين الله أفواجا. أهمية السيرة النبوية
أما الموضوع الأول؛ وهو حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيمثل حياة سيد ولد آدم على ظهر هذه المعمووة «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومنذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع، وأول مشفع، ولا فخر» (2). القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الممتحنة - الآية 4. وهل في الدنيا حدث أعظم من حياة سيد ولد آدم فيها، ندرسه ونطلع عليه ونتابع كل صغيرة وكبيرة فيه؟!
ونحن مكلفون باتباع خيرة هذه الأمة، وأن لا نخرج على سنتهم وهديهم {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (7)
كيف نتبع سلف هذه الأمة ما لم نطلع على أعمالهم وجهادهم وسلوكهم؟! ومن القواعد الشرعية المقررة: إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وقد اهتم الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم بهذه السيرة، كما روى محمد ابن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي بن الحسين عن أبيه قال: سمعت علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي – صلى الله عليه وسلم – كما نعلم السورة من القرآن (8)
(1) انظر القاموس المحيط، باب الراء، فصل السين للفيروزأبادي /528 ط. مؤسسة الرسالة. والمعجم الوسيط 1/ 467 ط. دار الفكر. (2) رواه الإمام أحمد والترمذى وابن ماجه عن أبي سعيد. انظر صحيح الجامع الصغير للألباني م1 ج2 ح 1481 ص 21. (3) من الآية 110 من سورة آل عمران. (4) متفق عليه. البخاري 5/ 190 في الشهادت ومسلم ح 2535 في الفضائل. (5) من الآية 3 من سورة المائدة. (6) الأحزاب: 21. (7) التوبة:100. "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" - جريدة الغد. (8) البداية والنهاية لابن أكثر 3/ 241.