كان الوالي على منطقة الجزيرة في ذلك الوقت هو عكرمة الفياض - والذي أطلق عليه هذا اللقب نتيجة كرمه الشديد فبينما هو في مجلسه ذُكر اسم خزيمة، فسأل عن حاله، فقال له أصحابه بأنه أصبح سيئ الحال، ولم يعد لديه أي صديقٍ أو مواسٍ، وعندما أقبل الليل قام عكرمة بجمع أربعة آلاف دينار، وانطلق على فرسه لبيت خزيمة متلثماً ومتنكراً، ومن ثم طرق على بابه، ففتح له. أعطى عكرمة المال لخزيمة، وقال له خذ هذا الكيس، أصلح به حالك، فقال له خزيمة من أنت، ردّ عليه بأنه لا يريد أن يعرفه أحد، فرفض أخذ المال حتى يعرف من هو، فقال له: أنا جابر عثرات الكرام، وأسرج فرسه وانطلق مسرعاً، ومن ثم دخل خزيمة إلى زوجته مسرعاً، وفي يده كيس المال، فقال لها بصوتٍ عالٍ: أبشري، لقد أفرج الله علينا! عاد عكرمة إلى البيت متأخراً، فوجد زوجته تنتظره وهي مرتابةٌ في أمره، حيث قالت له بأن خروجه في هذا الوقت من الليل وحده يدل على أن له زوجةً سريةً، فأنكر ذلك، إلا أنها لم تصدقه، فاضطر إلى إخبارها بالقصة كاملة على شرط أن تكتمها. في الصباح الباكر قام خزيمة بسداد ديونه، وإصلاح أموره، ومن ثم انطلق إلى فلسطين لمقابلة أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، فعندما دخل عليه، سأله سليمان عن سبب تأخيره، فأجابه خزيمة: سوء الحال، والضعف، فقال له، وما أنهضك وأقواك؟ فروى له قصة جابر عثرات الكرام، فأصبح أمير المؤمنين متلهفاً لمعرفته، حتى يعينه على شهامته ومروءته.
جابر عثرات الكرام - موضوع
بقلم: د. أحمد أحمد عبده
ما أجمل أن تسير في الناس جابرا لخاطرهم. فعندما تجبر نفسا مكسورة فيدل هذا على سلامة قلبك وسمو روحك. فعبادة جبر الخاطرمن أجمل العبادات، وضع نصب عينيك أن الجبر من الجبار سبحانه وتعالى فالله هو الجابر الذي يجبر حوائج الخلق جل في علاه. ورد في سنن الترمذي أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني» ومن أجمل ما قرأت قول الإمام سفيان الثوري «ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم». وردت قصة جابر عثرات الكرام في الكثير من المواضع منها ثمرات الأوراق وغيرها مفادها أن فاعل المعروف وفاعل الخير ينجيه الله من المآزق. خزيمة بن بشرمن قبيلة بني أسد وكان مشهورا بالكرم، وكان ذلك في زمان عبدالملك بن مروان في صدر الدولة الأموية. وكان كما ذكرت في رغد من العيش والنعمة ويفعل ما يرضي ربنا عز وجل من صدقة وكرم وسخاء. وفجأة فقد كل شيء فأغلق عليه بابه. وكان الوالي يسمى عكرمة الفياض فلما سأل عن حاله قيل له في أسوأ حال، فلما كان الليل انطلق إلى دار خزيمة وأعطاه مبلغا كبيرا من المال ليصلح شأنه فرفض خزيمة المبلغ حتى يعرف من هو فقال له أنا جابر عثرات الكرام ثم تركه وانصرف.
جابر عثرات الكرام - قصة نُبلٍ وجُودٍ ووفاء. (مهارات القراءة). | مواقع أعضاء هيئة التدريس
ثم أصبح خزيمة فصالح غرماءه، وأصلح من حاله، ثم تجهز يريد سليمان بن عبد الملك بفلسطين، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه، وكان مشهوراً لمروءته، وكان الخليفة به عارفا، فأذن له، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة قال: يا خزيمة! ما أبطأك عنا؟، فقال: سوء الحال يا أمير المؤمنين، قال: فما منعك من النهضة إلينا؟ قال: ضعفي. قال: فمَن أنهضك؟ قال: لم أشعر يا أمير المؤمنين بعد هدأة من الليل إلا ورجل يطرق بابي، وكان منه كيت وكيت، وأخبره بقصته من أولها إلى آخرها، فقال: هل عرفته؟ قال: لا والله لأنه كان متنكرا، وما سمعت منه إلا "جابر عثرات الكرام". قال: فتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته، وقال: لو عرفناه لأعنَّاه على مروءته، ثم قال علّي بقناة، فأتي بها فعقد لخزيمة الولاية على الجزيرة، وعلى عمل عكرمة الفياض، وأجزل عطاياه، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة. خرج خزيمة متوجها إلي الجزيرة، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه فسلم عليه، ثم سارا جميعاً إلى أن دخلا البلد، فنزل خزيمة في دار الإمارة، وأمر أن يؤخذ عكرمة وأن يحاسَب وما يدري أنه صاحبه، فحوسب، ففضل عليه مال كثير، فطلبه خزيمة بالمال، فقال: مالي إلى شيء منه سبيل، فأمر بحبسه، ثم بعث يطالبه، فأرسل إليه: إني لست ممن يصون ماله لغرضه (أي لا يبقي منه شيئا ولا يدخر).
جابر عثرات الكرام - موقع مقالات إسلام ويب
فقال له: ما أنت ببارح، قال: فماذا تريد؟ قال: أغيّر من حالك ما رثّ، وحيائي من ابنة عمك أشدّ من حيائي منك. ثم أمر بالحمام فأخلي فدخلا، ثم قام خزيمة فتولى خدمته بنفسه ، ثم خرجا فخلع عليه فَجَمَّلَهُ، فَحَمل إليه مالًا كثيرًا، ثم سار معه إلى داره، فاستأذن في الاعتذار من ابنة عمه، فأذن له، فاعتذر إليها، وتذمم من ذلك، ثم سأله بعد ذلك أن يسير معه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ مقيم بالرّملة. فدخل الحاجب، فأعلمه بقدوم خزيمة بن بشر، فراعه ذلك، وقال: والي الجزيرة يقدم بغير أمرنا؟ ما هذا إلا لحادث عظيم. فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلم عليه: ما وراءك يا خزيمة؟ قال: خير يا أمير المؤمنين. قال: فما الذي أقدمك؟ قال: ظفرت بجابر عثرات الكرام، فأحببت أن أسرك لما رأيت من تلهفك عليه، وتشوفك إلى رؤيته. قال: ومن هو؟ قال: عكرمة الفياض ، فأذن له بالدخول، فدخل وسلم عليه بالخلافة، فرحّب به وأدناه من مجلسه. فقال له: يا عكرمة؛ ما كان من خيرك لخزيمة إلا وبالًا عليك! ثم قال له: اكتب حوائجك كلها، وما تختاره في رقعة. قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لابد من ذلك، ثم دعا بدواة وقرطاس وقال: اعتزل واكتب جميع حوائجك، ففعل ذلك.
روى صاحب كتاب "عيون الأخبار" في الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وتسع وثلاثين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأ". وهذا من جميل ما قيل في أهل المعروف، وجميل صنع الله بهم، وحفظ الله لهم، ومن تتبع مثل هذا وقف على عجيب من المواقف والقصص. ومن جميل وعجيب ما ذكر في هذا الباب ما ذكره ابن حجة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق" (151-153)، وذكره أيضا التنوخي في "المستجاد من فعلات الأجواد" (6-8).. وقد ذكره أيضا أبو الحسن بن هذيل في كتاب "عين الأدب والسياسة وزين الحسب والسياسة" صفحة 199 مع اختلاف في الشخصيات، فذكروا جميعا ما خلاصته:
أنه كان في أيام سليمان بن عبد الملك رجل من بني أسد يقال له "خزيمة بن بشر"، وكان مشهورا بالمروءة والكرم والمواساة، وكانت نعمته وافرة، فلم يزل على تلك الحالة حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم، فواسوه حينا ثم ملوه، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته ـ وكانت ابنة عمه ـ فقال لها: يا بنت العم! قد رأيت من إخواني تغيُّرا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، ثم أغلق بابه عليه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، وبقي حائرا في حاله. وكان عكرمة الفياض (سمي بذلك لفرط كرمه) واليا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه، إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر، فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار في أسوأ الأحوال، وقد أغلق بابه، ولزم بيته.
قصة الكتاب:
كتاب لم أظفر بطبعة محققة له، وقد طبع في كل طبعاته منسوباً لابن إياس، والصحيح أنه للجلال السيوطي كما ذكر حاجي خليفة بعدما ذكر كتاب ابن إياس، قال: (بدائع الزهور في وقائع الدهور: تاريخ أيضاً للشيخ جلال الدين السيوطي، أوله: الحمد لله القديم الأول. ذكر فيه أنه انتقاه من اثنين وثلاثين تاريخاً فذكر نوادر الوقائع من مبدأ الخلق إلى زمانه، قدم الأنبياء عليهم السلام ثم الخلفاء ثم الملوك لكنه لم يكمله). كذا ذكر حاجي خليفة مع أن السيوطي ختم الكتاب بخاتمة تدل على أنه أتمه وراجعه، ولم يذكر فيه الملوك والخلفاء، بل ختمه بذكر الأنبياء، فاستوعبت أخبارهم ثلثي الكتاب. وجمع فيه كل ما وقف عليه من عجائب البلدان وغرائب المخلوقات، نقلها عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه والثعلبي وابن الجوزي، وابن سلام المقري صاحب (العقائق) ومن سماه: (العزيزي)? ونقل عنه ست مرات، ونقل في عجائب مصر خمس مرات عن ابن وصيف شاه (ت: نحو 811هـ) وسمى كتابه: أخبار مصر، وهو: (جواهر البحور ووقايع الدهور) من نوادر الكتب. ونجد على صفحات الانترنيت عدة مواقع تحذر من كتاب السيوطي، كموقع (رابطة أدباء الشام) وفيه: (ومن يقرأ كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) لابن إياس الحنفي يجد من الطامات ما تشيب له الولدان.. إلخ)
وموقع (الشبكة الإسلامية) وفيه:
السؤال: كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور وما مدى صحته?
تحميل كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور
عنوان الكتاب: بدائع الزهور فى وقائع الدهور المؤلف: محمد بن أحمد بن إياس الحنفي المحقق: محمد مصطفى حالة الفهرسة: غير مفهرس الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة النشر: 1404 - 1984 عدد المجلدات: 5 الحجم (بالميجا): 145 نبذة عن الكتاب: - ملاحظة: هذا الكتاب لابن إياس، بخلاف كتاب السيوطي الذي حذر منه بعض العلماء. تاريخ إضافته: 25 / 12 / 2013 شوهد: 155182 مرة رابط التحميل من موقع Archive التحميل المباشر: الجزء الأول - القسم الأول: من أول الزمان - 764 هـ الجزء الأول - القسم الثاني: 764 - 815 هـ الجزء الثاني: 815 - 872 هـ الجزء الثالث: 872 - 906 هـ الجزء الرابع: 906 - 921 هـ الجزء الخامس: 922 - 928 هـ الجزء الأول: الأعلام - القسم الثانى الجزء الثالث: الأماكن والبدان وتفاصيل معمارية الجزء الرابع: المصطلحات الغلاف
بدائع الزهور في وقائع الدهور Pdf
تاريخ النشر
1437/10/19 هـ
روابط التحميل
التعليقات:
- ناصر والي مليون شكر. - نوري التل. أضف تعليقا:
الاسم:
التعليق:
أدخل الرموز التالية:
ألفه ابن إياس الشركسي الأصل بعدما رأى بعينه سقوط دولة آبائه وطمس معالم أجداده، أو كما يقول: (ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين في سائر البلاد... ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها، وقتل أبطالها، ويتم أطفالها، وأسر رجالها، وبدد أحوالها، وأظهر أهوالها.. إلخ). وكما يقول في وصفه لمصرع السلطان الغوري: (فداسوا العثمانية المصاحف التي كانت حول السلطان بأرجل الخيول) ذلك العسكر الذي نعته بأنه (همهج كالبهائم). وننبه هنا إلى أن طبعة بولاق خالية من هذه الشتائم..? طبع الكتاب لأول مرة في ثلاثة أجزاء بمطبعة بولاق بمصر سنة 1894م باعتماد نسخة دار الكتب المصرية. ثم شاع القول أن هذه النسخة ناقصة، وأنه تم العثور على نسخة كاملة للكتاب في مكتبة محمد الفاتح في استنبول. فعملت جمعية المستشرقين الألمان بإشراف (باول كالا) على إعادة طبع الكتاب أثناء الحرب العالمية الثانية، وقصفت المطبعة في غمرة الحرب فاحترقت الطبعة برمتها، فارتأت الجمعية تكليف صديقها د. محمد مصطفى (مدير دار الآثار العربية والحائز على الدكتوراه من جامعة بون عام 1934م) بتحقيق الكتاب، فلبى ذلك وأصدره في ستة مجلدات ضمن سلسلة (النشرات الإسلامية) التي تصدرها جمعية المستشرقين الألمان في أعوام أولها عام (1960م)) مع ترجمة إلى الألمانية، قام بها د.