(تفسيرُ السَّعديِّ)
- القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. القران الكريم |وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى-:
ولقد ذكرَ نموذجًا مِن عواقبِ الأممِ المُكذِّبينَ فقالَ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} الآياتَ. يخبرُ تعالى عن عبدِهِ ورسولِهِ نوحٍ -عليهِ السَّلامُ-، أوَّلُ الرُّسلِ، أنَّهُ لما دعا قومَهُ إلى اللّهِ، تلكَ المدَّةَ الطَّويلةَ فلم يزدْهم دعاؤُهُ، إلَّا فراراً، أنَّهُ نادى ربَّهُ فقالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26] الآيةَ. وقالَ: {رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} فاستجابَ اللّهُ لهُ، ومدحَ تعالى نفسَهُ فقالَ: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} لدعاءِ الدَّاعينَ، وسماعِ تبتُّلِهم وتضرُّعِهم، أجابَهُ إجابةً طابقَتْ ما سألَ، نجَّاهُ وأهلُهُ مِن الكربِ العظيمِ. وأغرقَ جميعَ الكافرينَ، وأبقى نسلَهُ وذريَّتَهُ متسلسلِينَ، فجميعُ النَّاسِ مِن ذريَّةِ نوحٍ -عليهِ السَّلامُ-، وجعلَ لهُ ثناءً حسناً مستمرَّاً إلى وقتِ الآخرينَ، وذلكَ لأنَّهُ مُحسِنٌ في عبادةِ الخالقِ، محسنٌ إلى الخلقِ، وهذهِ سنَّتُهُ تعالى في المُحسنينَ، أنْ ينشرَ لهم مِن الثَّناءِ على حسبِ إحسانِهم.
- إعراب قوله تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين الآية 77 سورة الصافات
- القران الكريم |وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ
- تفسير سورة الصافات
إعراب قوله تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين الآية 77 سورة الصافات
هذا لو كنت من الذين لو علموا الحقّ لاتبعوه أما الذين في قلوبهم كبر فلن يتبعوا الحقّ من ربّهم حتى ولو تبين لهم الحقّ من ربّهم فلن يتبعوه.
القران الكريم |وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ
واختلفوا في سنه ، قيل: كان ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: كان ابن سبع سنين. ( قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك) واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق ، فقال قوم: هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة: عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومن التابعين وأتباعهم: كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، وعطاء ، ومقاتل ، والزهري ، والسدي ، وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقالوا: كانت هذه القصة بالشام. وروي عن سعيد بن جبير قال: أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام ، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى ، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ، ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال. وقال آخرون: هو إسماعيل ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهي رواية عطاء بن أبي رباح ، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: المفدى إسماعيل. إعراب قوله تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين الآية 77 سورة الصافات. وكلا القولين يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله: " فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي " ( الصافات - 101) أمره بذبح من بشره به ، وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق ، كما قال في سورة هود: " فبشرناها بإسحاق " ( هود - 71).
تفسير سورة الصافات
وجملة إنا كذلك نجزي المحسنين تذييل لما سبق من كرامة الله نوحا. و ( إن) تفيد تعليلا لمجازاة الله نوحا بما عده من النعم لأنه كان محسنا ، أي متخلقا بالإحسان وهو الإيمان الخالص المفسر في قول النبيء صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وأي دليل على إحسانه أجلى من مصابرته في الدعوة إلى التوحيد والتقوى وما ناله من الأذى من قومه طول مدة دعوته. والمعنى: إنا مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين. تفسير سورة الصافات. وفي هذا تنويه بنوح - عليه السلام - بأن جزاءه كان هو المثال والإمام لجزاء المحسنين على مراتب إحسانهم وتفاوت تقاربها من إحسان نوح - عليه السلام - وقوته في تبليغ الدعوة. فهو أول من أوذي في الله فسن الجزاء لمن أوذي في الله ، وكان على قالب جزائه ، فلعله أن يكون له كفل من كل جزاء يجزاه أحد على صبره إذا أوذي في الله ، فثبت لنوح بهذا وصف الإحسان ، وهو النعمة السابعة. وثبت له أنه مثل للمحسنين في جزائهم على إحسانهم ، وهي النعمة الثامنة. وجملة إنه من عبادنا المؤمنين تعليل لاستحقاقه المجازة الموصوفة بقوله كذلك نجزي المحسنين فاختلف معلول هذه العلة ومعلول العلة التي قبلها. وأفاد وصفه ب إنه من عبادنا أنه ممن استحق هذا الوصف ، وقد علمت غير مرة أن وصف ( عبد) إذا أضيف إلى ضمير الجلالة أشعر بالتقريب ورفع [ ص: 135] الدرجة ، اقتصر على وصف العباد بالمؤمنين تنويها بشأن الإيمان ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويقلع المشركون عن الشرك.
( لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم) مخلص من الشرك والشك. ( إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون) استفهام توبيخ. ( أئفكا آلهة دون الله تريدون) يعني: أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب وتعبدون آلهة سوى الله. ( فما ظنكم برب العالمين) - إذ لقيتموه وقد عبدتم غيره - أنه يصنع بكم. ( فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) قال ابن عباس: كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه ، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد عيد ومجمع ، وكانوا يدخلون على أصنامهم [ ويقربون لهم القرابين] ، ويصنعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم - زعموا - للتبرك عليه فإذا [ ص: 45] انصرفوا من عيدهم أكلوه ، فقالوا لإبراهيم: ألا تخرج غدا معنا إلى عيدنا ؟ فنظر إلى النجوم فقال: إني سقيم. قال ابن عباس: مطعون ، وكانوا يفرون من الطاعون فرارا عظيما. قال الحسن: مريض. وقال مقاتل: وجع. وقال الضحاك: سأسقم. ( فتولوا عنه مدبرين ( 90) فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ( 91) ما لكم لا تنطقون ( 92) فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93) فأقبلوا إليه يزفون ( 94) قال أتعبدون ما تنحتون ( 95) والله خلقكم وما تعملون ( 96) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( 97) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ( 98))) ( فتولوا عنه مدبرين) إلى عيدهم ، فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها.