والله أعلم. الرابعة: قوله تعالى {وقرآن الفجر} انتصب {قرآن} من وجهين: أحدهما أن يكون معطوفا على الصلاة؛ المعنى: وأقم قرآن الفجر أي صلاة الصبح؛ قاله الفراء. وقال أهل البصرة. انتصب على الإغراء؛ أي فعليك بقرآن الفجر؛ قاله الزجاج. وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات؛ لأن القرآن هو أعظمها، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور؛ عن الزجاج أيضا. أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل. قلت: وقد استقر عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا لا يضر بمن خلفه - يقرأ فيها بطوال المفصل، ويليها في ذلك الظهر والجمعة - وتخفيف القراءة في المغرب وتوسطها في العصر والعشاء. وقد قيل في العصر: إنها تخفف كالمغرب. وأما ما ورد في صحيح مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير، أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة؛ كقراءته في الفجر المعوذتين - كما رواه النسائي - وكقراءة الأعراف والمرسلات والطور في المغرب، فمتروك بالعمل. ولإنكاره على معاذ التطويل، حين أم قومه في العشاء فافتتح سورة البقرة. خرجه الصحيح. وبأمره الأئمة بالتخفيف فقال: (أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أمّ الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والمريض والسقيم والضعيف وذا الحاجة).
- أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا | تفسير القرطبي | الإسراء 78
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا | تفسير القرطبي | الإسراء 78
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"وقوله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) يعني: صلاة الفجر" انتهى
من "تفسير القرآن العظيم" (5/102). وقال القرطبي رحمه الله:
"وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات ؛ لأن القرآن هو أعظمها ، إذ قراءتها
طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور" انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (10/304). والله أعلم.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾. قالَ: العِشاءِ الآخِرَةِ. وأخْرَجَ اِبْنُ المُنْذِرِ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ قالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ اِجْتِماعُ اللَّيْلِ وظُلْمَتُهُ. وأخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ قالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ بُدُوُّ اللَّيْلِ. وأخْرَجَ اِبْنُ الأنْبارِيِّ في "الوَقْفِ" عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ، أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ (p-٤١٤)لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾. اقم الصلاه لدلوك الشمس سوره الاسراء. قالَ: ما الغَسَقُ؟ قالَ: دُخُولُ اللَّيْلِ بِظُلْمَتِهِ، قالَ فِيهِ زُهَيْرُ بْنُ أبِي سُلْمى:
؎ظَلَّتْ تَجُوبُ يَداها وهْيَ لاهِيَةٌ حَتّى إذا جَنَحَ الإظْلامُ والغَسَقُ
وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ حِينَ تَزِيغُ، وغَسَقُ اللَّيْلِ غُرُوبُ الشَّمْسِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ [٢٦٣و] إذا زالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّماءِ، وغَسَقُ اللَّيْلِ غُرُوبُ الشَّمْسِ. * * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا﴾
أخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾.