قال قرة بن خالد حدثنا أبو الضحاك انه أبصر مصعبا يمشي في جنازة الأحنف بغير رداء.
- «الأحنف بن قيس» توعي الطلبة بـأحكام الصيام
«الأحنف بن قيس» توعي الطلبة بـأحكام الصيام
أعودُ بِكم مرّةً أخرى لِصاحِبِنا وحَدِيثِ مقَالِنا، للأحنَفِ بن قيسِ ـرحمه الله تعالى ـ، الذي كانَ يقول: "وجَدّتُّ الإحتمالَ أنصَر لي من الرّجال". ـ فَبَيتُ القصيدِ في هذا الخُلُقِ الكَريمِ، هو احتمالُ أخطاءِ النّاسِ وعِلّاتِهم وإيذائِهم، وهو من شِيَمِ الكِرامِ، وصِفاتِ الكِبار. فقدْ قِيل:" ليسَ منْ عادةِ الكِرامِ، سُرعَة الغضبِ والإنتقام". ـ وفوقَ ذلكَ كُلِّهِ، أنَّ خُلُقَ الحِلْمِ، من صفاتِ نَبيّنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي كان يتّصِف به في سيرته العَطِرة. فَقَد كان أحلم النَّاس وأحسَنهم خُلُقاً. الاحنف بن قيس سير اعلام النبلاء. ـ ولعلَّ يومَ فتحِ مكة، كان من أروعِ الأمثلةِ على حِلْمِ النّبيِّ على قومهِ، عندما سألوهُ بعدَ أن دخلَ مكة من أبوابِها الأربعة، وجَمَعَ أهْلَ قُريش، وقالَ لهم: "ما تَرُوني فاعِلٌ بِكُم. فقالوا: أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريمٍ. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اذهَبوا فأنتُم الطُلَقاءْ. ـ كان حليماً معهم، وعفا عنهم بعد أنْ كانَ قادِراً عليهم. وخُلاصة القولِ في هذا المقالِ، ما قالَهُ { الأحنفُ بن قيس} عن نفسِهِ، عندما قال: "مَا آذانِي أحَدٌ إلّا أخَذْتُ في أمْرِهِ إلّا بإحدَى ثلاثٍ: إنْ كانَ فَوقِي عَرَفْتُ لهُ فَضْله ُ.
وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويدنيه، فلما مات زياد وولى ابنه عبيد الله لم يرفع به رأسا، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤساء أهل العراق على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه. فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على ابن زياد والأحنف ساكت. فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟
قال: إن تكلمت خالفتهم. الاحنف بن قيس التميمي. فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم: انظروا لكم نائبا، وأَجَّلَهُم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافا كثيرا، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم. فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك الكلام وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت. فقال له معاوية: تكلم. فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحدا من أهل بيتك فليس فيهم من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك. فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الذي عزلك وولاك وهو ساكت، فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد جدا.