[ ص: 977] وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال: صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين ، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون ، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع. وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي ، فقالت: قد أفلح المؤمنون. وأخرجه أيضا ابن عدي والحاكم. وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله. وقد ورد فضائل العشر الآيات من أول هذه السورة ما سيأتي قريبا. بسم الله الرحمن الرحيم. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - الآية 2. قد أفلح المؤمنون ( 1) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2) والذين هم عن اللغو معرضون ( 3) والذين هم للزكاة فاعلون ( 4) والذين هم لفروجهم حافظون ( 5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( 6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( 7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( 8) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( 9) أولئك هم الوارثون ( 10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ( 11). قوله: قد أفلح المؤمنون قال الفراء: قد هاهنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين ، ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال ؛ لأن ( قد) تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه ، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة قبل حال قيامها ، ويكون المعنى في الآية أن الفلاح قد حصل لهم ، وأنهم عليه في الحال ، والفلاح الظفر بالمراد والنجاة من المكروه ، وقيل: البقاء في الخير ، وأفلح إذا دخل في الفلاح ، ويقال أفلحه: إذا أصاره إلى الفلاح ، وقد تقدم بيان معنى الفلاح في أول البقرة.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - القول في تأويل قوله تعالى " قد أفلح المؤمنون "- الجزء رقم19
وقرأ طلحة بن مصرف ( قد أفلح) بضم الهمزة وبناء الفعل للمفعول. وروي عنه أنه قرأ ( أفلحوا المؤمنون) على الإبهام والتفسير ، أو على لغة أكلوني البراغيث. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله: الذين هم في صلاتهم خاشعون وما عطف عليه ، والخشوع: منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث ، وهو في اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - القول في تأويل قوله تعالى " قد أفلح المؤمنون "- الجزء رقم19. وقد اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ؟ على قولين: قيل الصحيح الأول ، وقيل: الثاني. وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته ، حكاه النيسابوري في تفسيره. قال: ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن [ النساء: 82] والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى ، وكذا قوله: أقم الصلاة لذكري [ طه: 14] والغفلة تضاد الذكر ، ولهذا قال: ولا تكن من الغافلين [ الأعراف: 205] وقوله: حتى تعلموا ما تقولون [ النساء: 43] نهي للسكران ، والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته. واللغو ، قال الزجاج: هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية وما لا يجمل من القول والفعل ، وقد تقدم تفسيره في البقرة.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - الآية 2
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١) ﴾ صدق الله العظيم. 2 – محاسبة العبد لعملهن والنظر في أعماله من موجبات السير إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (أَیَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالࣲ وَبَنِینَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمۡ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ بَل لَّا یَشۡعُرُونَ (٥٦)) صدق الله العظيم. الخشوع في الصلاة (الذين هم في صلاتهم خاشعون). 3 – علامة من علامات سلامات القلب وإخلاص العمل الخوف الدائم والوجل من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١) ﴾ صدق الله العظيم، قالت السيدة عائشة: "يا رسول الله ﴿والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة﴾ هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا ولكن من يصوم ويصلي ويتصدق وهو وجل". 4 – قوله تعالى: (فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (٧)) صدق الله العظيم، أي: الذين يتجاوزون الحد. 5 – قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ صدق الله العظيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو تصريف الله إياه بعد الولادة في أطواره في زمن الطفولية وما بعدها إلى استواء الشباب، وخلق الفهم والعقل وما بعده إلى أن يموت.
الخشوع في الصلاة (الذين هم في صلاتهم خاشعون)
وقال بعض أهل العلم: المراد بالزكاة هنا زكاة النفس من الشرك والدنس؛ كقوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وكقوله تعالى: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ [فصلت: 6، 7؛ على أحد القولين في تفسيرها. قال ابنُ كثير رحمه الله: وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه مِن جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا. قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾؛ أي: والذين هم صائنون لفروجهم عن كل محرم، ولا يتناولون بها إلا ما أذن الله لهم فيه من زوجة أو سرية؛ إذ قد أبيح لهم التمتع بأزواجهم وسراريهم. فمن تناول بفرجه غير زوج أو سرية وطلب منكحًا خلاف ذلك، فأولئك هم المتجاوزون الحد، المستحقون للعقوبة. وقوله: ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ لا يشمل تمتع المرأة بمملوكها بالإجماع. وقد ذكر ابن جرير رحمه الله - بسند غريب منقطع من طريق قتادة - أن امرأة اتخذت مملوكها، وقالت: تأولت آية من كتاب الله: ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾، فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها، قال: فضرب عمر العبد وجزَّ رأسه، وقال للمرأة: أنت بعده حرام على كل مسلم.
وسوف أتحدث مع حضراتكم على هذه الصفات على طريق الاختصار والإيجاز، عسى الله أن يوفقنا للاتصاف بها والعمل على تحقيقها في واقعنا. الخشوع في الصلاة:
والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرًا قربَه، فيسكن لذلك قلب المصلي، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبًا بين يدي ربه، مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابًا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل منها [3]. لكن كيف نخشع في صلاتنا؟
"والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حُبِّب إليَّ الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة" [4]. الإعراض عن اللغو:
واللغو هو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾ رغبة عنه، وتنزيهًا لأنفسهم، وترفعًا عنه، وإذا مرُّوا باللغو مرُّوا كرامًا، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أَولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير - كان مالكًا لأمره؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: "كُفَّ عليك هذا"، فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة كفُّ ألسنتهم عن اللغو والمحرمات.
وهو أيضاً ما قاله النووي حيث أشار إلى أن العُلَماء قد أجمعوا على أن العقوق كبيرة من الكبائِرِ [4] الإمام النووي، شرح صحيح مسلم، (16/104). وأكد هذا القول الإمام الذَّهبي وابن حجر الهَيتمي والصَّاوي و آخرون. عقوبة عقوق الوالدين ، موقع مقالاتي ، سؤال وجواب ، دين ،. [5] فيض القدير، (3/361) – الزواجر عن اقتراف الكبائر، (2/115) – حاشية الصاوي على الشرح الصغير، (4/739)
اقرأ أيضاً: حكم استعمال المسبحة
الأدلة في حكم عقوق الوالدين
أوصى الإسلام بالبر بالوالدين ونهى عن عقوقهما نهياً كلياً، والملسم الصادق السويّ يجب عليه أن يحسن إلى والديه امتثالاً لأوامر الله تعالى الذي شدّد على وجوبِ البِرّ ونهى عن العقوق. وقد قال عز وجل في محكم تنزيله:
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولًا كَرِيمًا) [6] سورة الإسراء، الآية 23
وفي الحديث النبوي الشريف، جاءت أحاديث عدة في النهي عن عقوق الوالدين وفي اعتبار عقوقهما كبيرة من الكبائر كما أسلفنا الذكر. فقد قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلَّم:
"ألا أُنَبِّئُكم بأكبرِ الكبائِرِ؟ قُلْنا: بلى يا رَسولَ اللهِ.
عقوبة عقوق الوالدين ، موقع مقالاتي ، سؤال وجواب ، دين ،
فهذه الآية الكريمة هي عبارة عن دليل واضح على حرص الإسلام على برّ الوالدين ورحمتهما، فكما وعد الله بعذاب من يعق والديهِ، فقد وعد أيضاً الرزق والسعادة لمن يبرهما، وأن يُحسن معاملتهما. علامات عقوق الوالدين
1–تجاهل أوامرهما وعدم الأخذ بها، مثل العودة في وقت محدد إلى المنزل. 2– أن يستعر منهما أمام الناس ويتجنب أن يخرج معهما أو يلتقي بأشخاص وهما برفقته. 3–إدخال أي منكرات إلى منزل الوالدين مع عدم رضاهما وممارسة تلك المنكرات أمامهما مثل شرب الخمر أو الجلوس مع أصدقاء سوء. 4–وضع الوالدين في موقف محرج أمام الناس حتى يأخذ ما يريده مثل المال وغيره. 5– أن يجادلهما أو يقاطعهما في الحديث أو يكذبهما أو يقلل من شأنهما. حكم عقوق الوالدين. 6–عدم إستئذان الأب والأم في مختلف الأمور قبل القيام بها، فهذا يعني أن الإبن لا يعمل لهم قيمة ومكانة وإحترام. 7–عدم الوقوف إلى جانبهم بعد الكبر أو العجز وفي وقت حاجتهما للإبن. 8 – أن يقول قولاً أو يفعل فعلاً يحزنهما ويؤلمهما. 9– ألا يتشاور معهما قبل أن يقوم بعمل أي حاجة تخص شؤونهما، كأن يقوم ببيع أثاث المنزل أو غيرها من الأمور. 10– ذم الوالدين أو ذكر عيوبهما دون وجود أحد معهم أو أمام الناس من أبرز مظاهر عقوق الوالدين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن برّ الوالدين من أوجب الواجبات، ومن أفضل القربات، وقد ذكر العلماء لوجوب طاعة الوالدين ضوابط، حاصلها ثلاثة:
الأول: أن يكون في غير معصية؛ لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد ، وغيره، وصححه السيوطي. الثاني: أن يكون لهما غرض صحيح فيما يأمران به وينهيان عنه. الثالث: أن لا يكون في ذلك ضرر على الولد فيما أمراه به، وقد نص على هذا طائفة من أهل العلم. ولمعرفة ضابط طاعة الوالدين مفصلًا راجع الفتوى رقم: 76303 ، وفي ضابط عقوقهما راجع الفتوى رقم: 274027. وفي حكم الانتساب لتخصص دراسي يرفضه الأب راجع الفتوى: 213064. وفي حكم منع الولد من الخروج من البيت راجع الفتوى رقم: 156097. وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 208042 ، 285715 ، 288796 ، 144133. والله أعلم.