"وفي الحديث من الفقه أن كل من أعان مؤمناً على عمل بر فللمعين عليه
أجرٌ مثل العامل، وإذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من جهَّز
غازياً فقد غزا، فكذلك من فطَّر صائماً، أو قوَّاه على صومه، وكذلك من
أعان حاجَّاً أو معتمراً بما يتقوى به على حجه، أو عمرته حتى يأتي ذلك
على تمامه، فله مثل أجره" (4). حرص السلف على تفطير الصائمين:
- كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين،
فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاء سائل وهو على
طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله
ما بقى في الجفنة، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً. - وهذا الحسن البصري يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً، ويجلس يروحهم وهم
يأكلون. - وأُثِرَ عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يفطر كل ليلة في شهر رمضان
خمسين إنساناً، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً. - وقال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد،
ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا
أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه. وزير الأوقاف يوضح معنى من أفطر صائمًا فله مثل أجره. - واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً، فوضع بين يديه
عند فطوره، فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده
المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات
طاوي(5).
من فطر صائما كان له مثل أجره اسلام ويب
فضائل أخرى:
ومما ينشأ عن عبادة تفطير الصائمين عبادات كثيرة منها:
- التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
لا تدخلوا الجنة حتى
تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا
»(6). - مجالسة الصالحين، واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا
عليها بطعامك، يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى معدداً فضائل
الجود في رمضان ومنها: "إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على
طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم"(7). ومن البشائر أن تجد هذه السنَّة بفضل الله ما زالت قائمة، يتسابق
إليها الناس، وينشأ عليها الجيل بعد الجيل، فلله الحمد أولاً
وأخراً. فيا أخي: أبذل القليل من مالك تغنم الكثير منتهى مآلك، وأسعد صائماً
بفطرك تنعم بها يوم نشرك، فبادر ولا تنس فبين يديك شهر الجود
والإحسان، سدَّد الله خطاك للمغنم، وعظيم الغفران. وصلى الله وبارك على نبيه وآله وصحبه وسلم. من فطر صائما كان له مثل أجره اسلام ويب. ---------------------------------------------------
(1) رواه الترمذي برقم (807)، وابن ماجه برقم (1446)، وصححه الألباني
في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (11360). (2) فيض القدير (6/187). (3) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/376).
يأتي رمضان هذا العام ليس كأي رمضان مضى، إنه بعد جولة مصارعة مع كورونا وأخواتها، بعد تعطيل المصالح والمساجد والمؤسسات، بعد أن خضع العالم أجمع لجملة من الإجراءات والاحترازات طالت الجميع بلا استثناء، اكتوى الجميع بنارها، وها هو ذا يفيق منها بعد فترة طويلة؛ كان وما زال لها بقايا أثر على روح الإنسان ونفسه، وعلى المجتمع المحلي والعالمي. يجيء رمضان هذا العام وقد أصيب النفوس والأرواح بسبب نكبة كورونا ، والعيش في حياة منعزلة، حياة قائدها ورئيسها العالم الافتراضي، حيث عاش الرجال والنساء والشباب والفتيات والأطفال في بيوتهم مع التلفاز والهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب؛ ليترك أثرا سلبيا على نفوس البشر. يجيء رمضان هذا العام متنفسا للصالحين، ومرتعا للصائمين، ورحمة للمتعبين؛ كي يخففوا عنهم تلك الآلام التي خلفتها الحروب والأزمات، يأتي رمضان ضيفا مباركا على الفرد والأسرة والمجتمع، بل وعلى العالم أجمع، كما أخرج النسائي بسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتاكم شهر رمضان؛ شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها؛ فقد حرم".