فجميع الأنبياء متّحدون في العقيدة، وقد يختلفون في الشرائع، فمن الممكن أن نقول: شرائع سماوية، أو رسالات سماوية؛ لأنها رسالات متعددة، لكن لا نقول أبداً: الأديان السماوية كما سبق. والحق لابد أن يكون واحداً، فكيف يقال عن النصرانية المحرّفة أنها دين سماوي في سياق المدح؟! وفيها: لا إله إلا الله، ليس عيسى رسول الله، حيث يزعمون أن عيسى هو الله!! أو أن الآلهة ثلاثة!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وفي اليهودية نجد إلحاداً في أسماء الله وصفاته، فكيف يكون هذا أيضاً دين سماوي؟! الدين السماوي هو دين موسى وعيسى وآدم ومحمد ونوح وجميع الأنبياء، فهؤلاء كلهم دعوا إلى: لا إله إلا الله، واختلفوا في الشرائع لاختلاف الأمم والظروف، إلى أن جاءت الشريعة الخاتمة التي يصلح بها كل زمان وكل مكان. إذاً: لا تختلف النبوات على الإطلاق في الدعوة إلى: لا إله إلا الله، وإنما يختلفون في الأحكام، مثل: أحكام الزواج.. أحكام الطلاق.. أحكام العبادات،... الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في سورة الناس ؟ – عرباوي نت. إلخ. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: أي: قلنا للجميع: لا إله إلا الله، فأدلة العقل شاهدة على أنه لا شريك له، والنقل عن جميع الأنبياء موجود؛ لأن الدليل إما معقول وإما منقول: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ [الملك:10].
الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في سورة الناس للاطفال
وكذلك في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً [الزخرف:26-28] وهي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، لكنه هنا ذكرها بالمعنى: (إنني براء مما تعبدون) أي: أكفر بكل ما تعبدون من دون الله، (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين)، وهذا هو نفس معنى: لا إله إلا الله.
الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في سورة الناس مكررة
إن آية الكرسي مشتملة على عشر جمل مستقلة، نذكرها بالترتيب:
الجملة الأولى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ والكلام فيها على قسمين:
أولاً: بيان أن (الله لا إله إلا هو) أساس دعوة جميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. فقوله: (الله لا إله إلا هو) هذا هو شعار الإسلام، وهذه كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله، أي: لا إله حق إلا الله تبارك وتعالى. يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: وأما تأويل قوله: (لا إله إلا الله) فإن معناه: النهي أن يُعبد شيء غير الله الحي القيوم، الذي صفته ما وصف به نفسه تباك وتعالى في هذه الآية: (الله لا إله إلا هو)، فبدأ بلفظ الجلالة، ثم ذكر أهمّ شيء على الإطلاق في دعوة الإسلام، وهو هذا الشعار -شعار التوحيد-: (لا إله إلا هو). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: إخبارٌ بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلق. وقال البيضاوي: والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غير. وقال القاضي أبو السعود: أي: هو المستحق للعبودية لا غير. وقال السعدي: فأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، فألوهية غيره وعبودية غيره باطلة. الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في سورة الناس توحيد الألوهية. إذاً: معنى هذه الجملة: أن الله جل جلاله هو المتفرد في استحقاق العبودية، فلا يعبد أحد سواه كائناً من كان، بأي نوع من أنواع العبادات.
الغفور: الله تعالى غفور رحيم يغفر للعباد تقصيرهم ولولا هذه الصفة لهلك الكثير منا، ونستدل على هذه الصفة من قوله تعالى: { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: (22)]. السمع والبصر: الله تعالى سميع وبصير بالعباد يرى ما يفعلوه ونستدل على هذه الصفة من القرآن الكريم من قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} [الشورى:11]، وكذلك من قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى﴾ [طه: 46]. وبهذا نصل وإياكم متابعينا الكرام إلى ختام حديثنا اليوم الذي دار حول صفات نفاها الله عن نفسه في آيات القرآن الكريم، فقد نفى المولى عز وجل عن نفسه العديد من الصفات، هذه الصفات أوضحناها لكم مستندين في ذلك على ما ورد في آيات القرآن الكريم، وفي النهاية نشكركم على حسن متابعتكم لنا وإلى اللقاء في مقال آخر من مخزن المعلومات.
27 شوال 1428 ( 08-11-2007)
من الشٌّبه اللغوية التي أثيرت حول القرآن الكريم، ما يتعلق بقوله تعالى: { إن رحمت الله قريب من المحسنين} (الأعراف:56) ووجه الشبهة فيما زعموا يتلخص في السؤال الآتي: لماذا لم يُتبَع خبرُ { إنَّ} وهو: { قريب} اسمها، وهو { رحمت} في التأنيث، وكان حقه أن يقول: ( إن رحمة الله قريبة) إذ ينبغي أن توافق الصفةُ الموصوفَ تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا وتثنيةً وجمعًا. وقبل أن نجيب عن هذه الشبهة، من المفيد أن نقول بداية: إن كلمة { رحمت} في الآية التي بين أيدينا، قد كُتبت بالتاء المفتوحة في المصحف الشريف، وليس بالتاء المربوطة، كما هي في الكتابة الإملائية المعتادةº وتعليل ذلك أنها هكذا رُسمت في المصحف العثماني. إذا تبين هذا، نشرع في الإجابة عن هذه الشبهة، فنقول: إن للعلماء توجيهات عديدة في الإجابة عن هذه الشبهة، بيد أننا نقتصر هنا على أقوى تلك التوجيهات، وأقومها رشدًا، وأقصدها سبيلا. «إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» - الأهرام اليومي. فمن تلك التوجيهات قولهم: إن من أساليب اللغة العربية، أن القرابة إذا كانت قرابة نسب، تعيَّن التأنيث فيها في الأنثىº فتقول: هذه المرأة قريبتي، أي: في النسبº ولا تقول: قريب مني. وإن كانت القرابة قرابة مسافة، جاز التذكير والتأنيثº فتقول: داره قريب وقريبة مني.
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ | غادة عيسوي
إن اللفظة القرآنية.. رحمت.. بالتاء المفتوحة لم تؤنث لأن التأنيث هنا تأنيث مسافة لاجنس ونسب.. إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ | غادة عيسوي. ونقرأ في القرآن الكريم.. ومايدريك لعل الساعة قريب.. سورة الشورى وفي سورةالأحزاب.. ومايدريك لعل الساعة تكون قريبا.. ولغويا إن صيغة فعيل تأتي بمعنى فاعل على وزن قدير سميع ويصح قول جميل وجميلة وعندما تأتي مفعول فهي إما أن تكون مصاحبة الموصوف فيستوي فيها التذكير والتأنيث كقولنا رجل جريح وامرأة جريح وإن لم تكن الصفة مصاحبة الموصوف فإنها تؤنث فنقول مريضة بني فلان وهكذا
«إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» - الأهرام اليومي
وقال عن موسى -عليه السلام-: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [القصص: 14]. وقال عن يوسف -عليه السلام-: ( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 56]. هذه الرحمة التي تحط الخطايا، وترفع الدرجات، وتورث الجنان؛ كما قال سبحانه: ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر: 33 - 35]، وقال عز شأنه: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [المرسلات: 41 - 44]. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعراف - الآية 56. هؤلاء المحسنون الذين ينالون هذا الفضل العظيم، هم الذين أحسنوا في عبادة الله، وأحسنوا لعباد الله، فأحسنهم الله إليهم؛ كما وعدهم جل جلاله: ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعراف - الآية 56
الخطبة الأولى:
كل مؤمن يرجو رحمة ربه، بل هي غاية أمانيه، ومنتهى سؤله، ورحمة الله ( قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56]؛ كما أخبر الله بذلك خبرا. فأهل الإحسان موعودون بهذه الرحمة المتضمنةِ محبةَ الله لعبده، قال الله -تعالى-: ( وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195]. هذا الرحمة التي تستدعي المزيد من فضل الكريم الرحمن على عبده، قال تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 58]. هذه الرحمة التي تورث هدايةَ العبد وتوفيقَه وتسديدَه وإعانته، قال الله -تعالى-: ( وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]. وقال تعالى في شأن إبراهيم -عليه السلام-: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الأنعام: 84]. هذه الرحمة التي تستوجب حسن العاقبة، والتمكينَ في الأرض، والذكرَ الجميل؛ كما قال تعالى عن نوح -عليه السلام-: ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات: 78 - 80].
وإن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده، كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان، وإن من تقرب منه شبراً، تقرب الله منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعًا، تقرب منه باعاً، فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقربه يستلزم قرب رحمته. ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة. إن الله تعالى قريب من المحسنين، وذلك يستلزم القربين: قربه وقرب رحمته؛ ولو قال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين،لم يدل على قربه تعالى منهم؛ لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته، والأعم لا يستلزم الأخص، بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم، وهو قرب رحمته". ثم قال -رحمه الله- بعد أن ذكر هذا التوجيه للآية: "فلا تستهن بهذا المسلك، فإن له شأنًا، وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب... وهو من أليق ما قيل فيها. وإن شئت قلت: قربه تبارك وتعالى من المحسنين، وقرب رحمته منهم متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا كانت رحمته قريبة منهم، فهو أيضًا قريب منهم، وإذا كان المعنيان متلازمين، صح إرادة كل واحد منهما، فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين، من التحريض على الإحسان، واستدعائه من النفوس، وترغيبها فيه غاية حظ لها، وأشرفه وأجلُّه على الإطلاق، وهو أفضل إعطاء أُعطيه العبد، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده، الذي هو غاية الأماني، ونهاية الآمال، وقرة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها.
قالوا: ويدل لهذا التوجيه، قوله تعالى: { وما يدريك لعل الساعة قريب} (الشورى:17) وأيضاً قوله سبحانه: { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} (الأحزاب:63) ومن هذا القبيل، قول امرئ القيس: له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا فذكَّر (قريب) مع أنه صفة لمؤنث، باعتبار أن القرابة قرابة مكانية لا نَسَبِيَّة. ومنه أيضاً، قول عروة بن الورد: عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد فأنَّث (قريبة) وذكَّر (بعيداً) على ما تقدم. ولو كان القريب، من القرابة في النسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثاً. فهذا التوجيه الأول للآية. التوجيه الثاني قولهم: إن صيغة (فعيل) تأتي على ضَربين، أحدهما: بمعنى (فاعل) كقدير، وسميع، وعليم. والثاني: تأتي بمعنى (مفعول) كقتيل، وجريح، وكحيل؛ كله بمعنى (مفعول). فإذا أتت بمعنى (فاعل) فحقُّها إلحاق تاء التأنيث مع المؤنث دون المذكر؛ كجميل وجميلة، وشريف وشريفة، وصبيح وصبيحة، وصبي وصبية، ومليح ومليحة، وطويل وطويلة ونحو ذلك. وإذا أتت بمعنى (مفعول) فلا تخرج عن حالين: إما أن تكون الصفة مصاحبة للموصوف، أو منفردة عنها؛ فإن كانت الصفة مصاحبة للموصوف، استوى فيها المذكر والمؤنث؛ تقول: رجل قتيل، وامرأة قتيل، ورجل جريح، وامرأة جريح؛ وإن لم تكن الصفة مصاحبة للموصوف، فإنها تؤنث، إذا جرت على المؤنث، نحو قتيلة بني فلان.