قرأ الجمهور انطلقوا في الموضعين على صيغة الأمر على التأكيد. وقرأ رويس عن يعقوب بصيغة الماضي في الثاني: أي لما أمروا بالانطلاق امتثلوا ذلك فانطلقوا. وقيل المراد بالظل هنا هو السرادق ، وهو لسان من النار يحيط بهم. ثم يتشعب ثلاث شعب فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم ، ثم يصيرون إلى النار. وقيل هو الظل من يحموم كما في قوله: في سموم وحميم وظل من يحموم على ما تقدم. ثم وصف سبحانه هذا الظل تهكما بهم فقال: لا ظليل ولا يغني من اللهب أي لا يظل من الحر ولا يغني من اللهب. قال الكلبي: لا يرد حر جهنم عنكم. ثم وصف سبحانه النار فقال: إنها ترمي بشرر كالقصر أي كل شررة من شررها التي ترمي بها كالقصر من القصور في عظمها ، والشرر: ما تطاير من النار متفرقا ، والقصر: البناء العظيم. وقيل القصر جمع قصرة ساكنة الصاد مثل حمر وحمرة وتمر وتمرة ، وهي الواحدة من جزل الحطب الغليظ. انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. قال سعيد بن جبير ، والضحاك: وهي أصول الشجر العظام ، وقيل أعناقه. قرأ الجمهور كالقصر بإسكان الصاد ، وهو واحد القصور كما تقدم: وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وحميد ، والسلمي بفتح الصاد: أي أعناق النخل والقصرة العنق جمعه قصر وقصرات. وقال قتادة: أعناق الإبل. وقرأ سعيد بن جبير بكسر القاف وفتح الصاد ، وهي أيضا جمع قصرة مثل بدر وبدرة وقصع وقصعة.
الباحث القرآني
{انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34)} [المرسلات]
{ انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)}: يقال لأهل النار يوم القيامة انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون, أليست هذه جهنم التي حذركم منها المرسلون؟؟ انطلقوا إلى ظلها ذي الثلاث شعب الذي لا ظل فيه حقيقي ولا يغني عن حر اللهيب. ثم يخبر تعالى عن لهب جهنم وصفته وأنه في حجم القصور الكبيرة وصفة الجمال السيارة. ويل ساعتها لكل مكذب بالله وآياته, ويل لم عادى الله ورسله وأوليائه. الباحث القرآني. قال تعالى: { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34)} [المرسلات] قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخبرا عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة " { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} ".
انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
وقد بين ابن عباس هذا بقوله: كنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه وندخره للشتاء وكنا نسميه القصر. وهذا أصح ما قيل في ذلك ، والله أعلم.
وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب. يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب "لا ظليل ولا يغني من اللهب " أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه, ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب.
( واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون)
ثم قال تعالى: ( واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون). وفيه وجهان: والترتيب ظاهر على الوجهين:
الوجه الأول: هو أن يكون المعنى: واضرب لأجلهم مثلا.
أصحاب القرية - ويكيبيديا
فقالت لهم رسلهم: { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} وهو ما معهم من الشرك والشر، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة، وارتفاع المحبوب والنعمة. { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} أي: بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم، قلتم لنا ما قلتم. { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} متجاوزون للحد، متجرهمون في قولكم، فلم يزدهم دعاؤهم إلا نفورا واستكبارا. أصحاب القرية - ويكيبيديا. { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} حرصا على نصح قومه حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به، وعلم ما رد به قومه عليهم فقال [لهم]: { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة، ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا إليه، فقال: { اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} أي: اتبعوا من نصحكم نصحا يعود إليكم بالخير، وليس يريد منكم أموالكم ولا أجرا على نصحه لكم وإرشاده إياكم، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه. بقي أن يقال: فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة، ولكنه ليس على الحق، فدفع هذا الاحتراز بقوله: { وَهُمْ مُهْتَدُونَ} لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه.
خلاصة المقال: يستفاد من قصة أهل القرية بأنّ العصاة المتمردّين الرافضين للتوحيد موجودون منذ قدم الأزل فلا يسعى المسلم إلّا بأن يتمّ ما عليه من الدعوة إلى الله تعالى، دون النظر لموقف المدعوين من الدعوة. المراجع ↑ سورة يس، آية:13-14
↑ محمد الصابوني، صفوة التفاسير ، صفحة 7. بتصرّف. ↑ سورة يس، آية:15-19
^ أ ب القرطبي، تفسير القرطبي ، صفحة 16-17. بتصرّف. قصة أصحاب القرية - سطور. ↑ الطبري، تفسير الطبري ، صفحة 419-423. بتصرّف. ↑ ابن كثير، كتاب قصص الأنبياء ، صفحة 283. بتصرّف. ↑ جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية ، صفحة 177. بتصرّف.
قصة أصحاب القرية - سطور
[٣]
فما كان من أهل القرية إلّا أن أجابوا على الدعوة بأن لا فضل لأحد على الآخر، إذ إنّ الذين يدّعون الرسالة والنبوّة ما هم إلّا بشر مثلهم، فما هم إلّا كاذبون في أمر الرسالة، فأجاب الرسل؛ بأنّ الله تعالى عالم بظاهر الأمر وخفاياه، وما عليهم إلا الدعوة وهم غير مسؤولين عن نتيجة تذكيرهم ودعوتهم. [٤]
وفي قول لمقاتل: بأن المطر قد حجب عن القرية لمدّة ثلاث سنوات، فأعزى أهل القرية حرمانهم من المطر إلى الرسل الثلاثة؛ فتشائموا بهم، حتى أنهم قاموا بتهديد الرسل بالقتل إذا لم يتوقفوا في دعوتهم، فأجابت الرسل بأن رزقهم وحظهم أمر لازم لهم لا علاقة للرسل به، وفي وصفهم بالإسراف هناك قولان: الأول بأنّهم تجاوزا الحد في الشرك والكفر، والثاني بأنّهم بالغوا في التشاؤم بالرسل. [٤]
بماذا نصح الرجل الصالح أهل القرية؟
في قول أورده الإمام الطبري: بأن هذا الرجل يدعى حبيب، كان مؤمنًاّ كثير الصدقة، يقسم قوت يومه بين قوت عائلته والتصدّق على من يحتاج، على الرغم من فقره وسقمه، وعندما سمع بنيّة أهل القرية بقتل الرسل، انطلق لهم ناصحًا، ألّا يمسّوا الرسول بسوء، وأن يؤمنوا بما دعاهم إليه الرسل، فإنهم لا يطلبون أجراً على دعوتهم ونصيحتهم، فهم لكم ناصحون، وهم على طريق الحق.
قال السعدي في تفسيره: أي: واضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك، الرادين لدعوتك، مثلا يعتبرون به، ويكون لهم موعظة إن وفقوا للخير، وذلك المثل: أصحاب القرية، وما جرى منهم من التكذيب لرسل اللّه، وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله. وتعيين تلك القرية، لو كان فيه فائدة، لعينها اللّه، فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار، ما تعرف به أن طريق العلم الصحيح، الوقوف مع الحقائق، وترك التعرض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس ، ويزيد العلم، من حيث يظن الجاهل أن زيادته بذكر الأقوال التي لا دليل عليها، ولا حجة عليها ولا يحصل منها من الفائدة إلا تشويش الذهن واعتياد الأمور المشكوك فيها. والشاهد أن هذه القرية جعلها اللّه مثلا للمخاطبين. { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} من اللّه تعالى يأمرونهم بعبادة اللّه وحده، وإخلاص الدين له، وينهونهم عن الشرك والمعاصي. { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي: قويناهما بثالث، فصاروا ثلاثة رسل، اعتناء من اللّه بهم، وإقامة للحجة بتوالي الرسل إليهم، { فَقَالُوا} لهم: { إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} فأجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل: فـ { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أي: فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل لأممهم: { إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.
تفسير &Quot; واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون &Quot; | المرسال
والرجلُ الذي جاء من أقصى المدينة هو: حبيب بن مري، كما قال القرطبي، وكان نجَّارًا، وقيل قصَّارًا، وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: هو حبيب بن إسرائيل النجَّار وكان ينحت الأصنام، وقال قتادة: كان يعبدُ الله في غار فلمَّا سمعَ بقدوم المرسلين خرجَ يسعى إليهم، فقال لهم: هل تأخذون أجرًا على ما جئتم به؟، قالوا: لا ما أجرنا إلا على الله، فآمن بما جاؤوا به وصدَّقهم، والله تعالى أعلم [٣]. مضامين قصة أصحاب القرية
في قصة أصحاب القرية الكثيرُ من العِبر والفوائد التي يجبُ على المسلمينَ الأخذ بها، فقد ضرب الله تعالى هذه القصة مثلًا حتَّى يأخذَ منهَا النَّاس جميعًا العِبرةَ والعظة، قال تعالى: واضرِب لَهُم مَثلًا أصحَابَ القَريةِ إذ جاءهَا المُرسلونَ" [٤] ، ومن مضامين القصة التي يمكن أن نشيرَ إليها ما يأتي: [٥]
الدعوة إلى الله بجدٍّ واجتهادٍ، والسعي إلى ذلك بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، وهذا يظهر من سعي الرجل من مكانٍ بعيد ليقفَ مع الحقِّ في مواجهة الباطل، قال تعالى: "وجاءَ من أقصَى المَدينة رجلٌ يسعى قالَ يا قَومِ اتَّبعوا المُرسَلِين" [٦]. ترك المكاسب والأجور الدنيوية، وهذا من أسباب قَبول الدعوة التي يدعوها رجالُ الحق، قال تعالى: "اتَّبعُوا مَن لا يَسألُكُم أَجرًا وهُم مهتَدون" [٧].
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}: قال لهم أهل القرية: لم نر على وجوهكم خيرًا في عيشنا، وقال قتادة: يقولون إن أصابنا شر فهو من أجلكم، وقال مجاهد: يقولون لم يدخل مثلكم إلى قرية إلا عذب أهلها {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ}: قال مجاهد: بالشتم، {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}: أي عقوبة شديدة، فقالت لهم رسلهم: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}: أي مردود عليكم، وقال قتادة: أي أعمالكم معكم، {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}: أي من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، قابلتمونا بهذا الكلام، وتوعدتمونا وهددتمونا إنكم قل مسرفون.