قال ابن عبد البر: وأبى جمهور أهل الأدب والعلم بلسان العرب إلا أن يجعلوا قوله – صلى الله عليه وسلم -: "إن من البيان لسحراً" مدحاً وثناء وتفضيلاً للبيان وإطراء، وهو الذي تدل عليه سياقة الخبر ولفظه.
إسلام ويب - فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الطب - باب إن من البيان سحرا- الجزء رقم3
جواب النعمان بن المنذر ملك الحيرة على كسرى
قال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل، لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها، وبسطة محلها، وبحبوحة عزها، وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك. وأما الأمم التي ذكرت، فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا? ان من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمة. قال النعمان: بعزها ومنعتها وحسن رجوا وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائه. فأما عزها ومنعتها،
فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد،
ووطدوا الملك،
وقادوا الجند،
لم يطمع فيهم طامع،
ولم ينلهم نائل،
حصونهم ظهور خيلهم،
ومهادهم الأرض،
وسقوفهم السماء،
وجنتهم السيوف
، وعدتهم الصبر؛
إذ غيرها من الأمم، إنما عزها الحجارة والطين وجزائر البحور. وأما حسن وجوهها وألوانها،
فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة،
والصين المنحفة،
والترك المشوهة،
والروم المقشرة. وأما أنسابها وأحسابها،
فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيراً من أولها،
حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه دنياً،
فلا ينسبه ولا يعرفه،
وليس أحد من العرب إلا يسمي آباءه أباً فأباً،
حاطوا بذلك أحسابهم،
وحفظوا به أنسابهم،
فلا يدخل رجل في غير قومه،
ولا ينتسب إلى غير نسبه،
ولا يدعى إلى غير أبيه.
[4] عون المعبود، لشمس الحق العظيم أبادي، (13/239 - 241). [5] انظر: "في ظلال الحديث النبوي"؛ د. نور الدين عتر، ط1، 1420هـ. [6] الأبشيهي (1/94).
(إنَّ من البيانِ لسِحرًا) - أثارة
وقال ابن بطال: أحسن ما يقال في هذا أن هذا الحديث ليس ذما للبيان كله ولا مدحا لقوله من البيان ، فأتى بلفظة من التي للتبعيض قال: وكيف يذم البيان وقد امتن الله به على عباده حيث قال: خلق الإنسان علمه البيان انتهى. إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا. والذي يظهر أن المراد بالبيان في الآية المعنى الأول الذي نبه عليه الخطابي ، لا خصوص ما نحن فيه. وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز ، والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة ، وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام ، وهذا كله من البيان بالمعنى الثاني. نعم الإفراط في كل شيء مذموم ، وخير الأمور أوسطها. والله أعلم
وفنظر الرجل واذا بصقره الحريشوي في نار الابله فقال المثل! (13)
كل امرئ راجع يوماً لشيمته
وإن تخلَّق اخلاقاً الى حين
فعلاً.. لكل انسان جوهر وحقيقة.. وقد يتصنع ويتكلف لغرض او في موقف.. فالشرِّير يظهر نفسه لطيفاً حين يخطب امرأة مثلاً (على لسان كل خاطب تمرة) كما يقول العرب.. ولكن شره يظهر بعد الزواج، فهو جوهره وطبعه، الحية تغير جلدها لا طبعها، والذئب يبقى ذئباً حتى لو لم يأكل غنمك، والماء الحار لا ينسى ابداً انه كان بارداً، الطبع عضو ويد ثالثة، سواءً كان الطبع طيباً ام سيئاً، وهو مزيج من الوراثة والتربية، والمثل يقول (ما نأخذه مع حليب الأم لا يخرج إلا مع الروح) وابن صقيه. يقول:
القطن لا يغريك لو لان لمسه
ما خبر يعمل منه درع وطاسه
ولكن الانسان يجاهد نفسه لتغيير الطبع السيء، ومن جاهد فهو مشكور مأجور..
(14)
إذا مر بي يوم ولم اتخذ يداً
ولم اكتسب علماً فما ذاك من عمري
(البستي)
ما أكثر الايام الضائعات اذن!.. (إنَّ من البيانِ لسِحرًا) - أثارة. ومن الغبن ان تضيع والعلم الآن متاح للجميع والمعروف مذقه حلو، ووجهه جميل..
جلس معاوية وعمرو بن العاص ووردان مولى عمرو وقد شاخوا فقال معاوية: ما بقي من لذاتك ياعمرو؟ قال: المشي في بسااتيني، وانت يا معاوية؟ قال: رؤية احفادي، وانت يا وردان؟ قال: صنيعة معروف اصنعها من ذوي احساب.. فضرب معاوية بيده وقال: غلبنا العبد!
إنّ مِن البيان لَسِحراً، وإنّ مِن الشِّعر لَحكمة ».
الاربعاء 16 المحرم 1427هـ - 15 فبراير 2006م - العدد 13750
روائع الحكمة خلاصة الشعر الشعبي والفصيح
الحكمة هي البصيرة.. عين العقل.. ولأن الدنيا كبيرة.. ومجاهلها كثيرة.. والعمر محدود.. يستعين العاقل بعيون الحكماء كي يميز بين أفضل الخيرين.. وأهون الشرين.. عند الاختبار والابتلاء معا..
والعقل ضده الحماقة.. والجنون.. فالأحمق قلما يستفيد من تجاربه هو فضلاً عن تجارب الآخرين.. وأهل الجنون في نعيم.. كل الايام عندهم اعياد.. قلوبهم لاتعرف الهموم، ورؤوسهم لاتشيب! وتراثنا العربي والشعبي مليء بأبيات الشعر الحكيمة.. نختار منها غيضاً من فيض:
(1)
اذا برِمَ المولى بخدمة عبده
تجنى له ذنباً وليس له ذنب
(سيف الدولة الحمداني)
اذا شانت النفس سهل المخراج
حتى في الزواج اذكر ان الاستاذ محمد علوان كتب في (غرابيل الرياض) ان بعض الازواج في الجنوب اذا اراد تطليق زوجته بلا سبب دخل المزرعة وصرخ فيها:
لماذا تركتِ المحَشَّ في الشمس؟! إسلام ويب - فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الطب - باب إن من البيان سحرا- الجزء رقم3. فتقول: مستغربة: هذا مكانه هل اضعه في الثلاجة او على السرير الوثير؟! فيقول: وتردين عليَّ؟ انتِ طالق! قلت: هي الرابحة! (أمْقِيطْ ورشاه.. او محشَّة)
(2)
الى عزمتْ فحطّ للرجل مرقاة
من قبل يدري بك سواة الرّبادي!
وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح ، وإذا صرف إلى الباطل يذم. قال: فعلى هذا فالذي يشبه بالسحر منه هو المذموم.
[٥] وبيّن الله -عز وجل- في هذه الآية المنهج الحق في العطاء والمنع؛ فالمؤمن عبد الله يعلم أن ما أصابه من الخير والشر بإذن الله وما أصابه ما كان ليخطئه، وما بعد عنه لم يكن ليصيبه، وأن النفس لن تموت وتغادر هذه الحياة حتى تستكمل رزقها وأجلها، فكان الموقف الحق لهؤلاء أن يرضوا بما قسمه الله -تعالى- لهم، فلو أنهم قالوا حسبنا الله سيؤتينا من فضله لكان خيراً لهم، وذكر الرسول هنا لأنه كان حياً. [٥]
الرضا بما قسمه الله
عندما يرضى الإنسان بما قسمه الله له يكن أغنى الناس من مال وولد وموهبة وجسم وسكن وهذا هو منطق القرآن، وإن أكثر الجيل الأول لم يكونوا أغنياء بل كانوا فقراء، ولم تكن لهم مساكن بهية، ولا مراكب، ولا خدم، ومع ذلك أسعدوا الناس، وأثروا ويغيروا في الحياة، ووجهوا حياتهم في المسار الصحيح وفي سبيل الله، فبارك الله في أقوالهم وأعمالهم ومواهبهم وأعطاهم الله. [٦] وهناك فريق آخر وصنف من الناس أعطاهم الله من الأموال والأولاد فكانوا سبب شقائهم وتعاستهم وانحرفوا عن الفطرة السوية السليمة وخرجوا عن طريق الحق، فهذا دليل على أن من كان لديه كل شيء لا يكون دائماً على الصواب والحق أو يفوز، فهناك الكثير ممن يملك شهادات عالمية، ولكنه قليل في عطائه وفهمه، وهناك من علمه محدود ولكنه جعله نهراً دافقاً بالنفع والإصلاح والإعمار.
سيؤتينا الله من فضله انا الى
– تفسير ابن عاشور: فسر ابن عاشور قوله تعالى "وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ"، وتبدأ الآية بجملة معطوفة على قوله تعالى في الآية الثامنة والخمسون "ومنهم من يلمزك في الصدقات"، حيث أنها ترتبت على قوله تعالى "فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"، وهو عطف يظهر حالة الحمد بعد حالة ع الرضا والذم. واستخدام حرف " لو" يدل أن لو أنهم فعلو ذلك لكان ذلك خيراً لهم ، والإيتاء تعني الإعطاء، ويتعني اعطاء الحقوق، وقوله "ما آتاهم الله": أي ما عينه لهم أي لِجماعتهم من الصدقات، حيث اعطى الله الرسول صلى الله عليه وسلم الحق في التصرف في الصدقات والغنائم والسلَب ، والجوائز وإعطاؤها لمن جعل الله لهم الحقّ في الصدقات، وقوله تعالى: "سيؤتينا الله من فضله ورسوله": أي ما أوحى الله به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم. وقوله تعالى "إنا إلى الله راغبون" هو تعليل لأنهم راغبون من فضله، وقد تم تقديم المجرور لإفادة القصر، وتعني إنّهم راغبون في عيّنه الله لنهم ولا يطلبون أي عطاء ليس من حقهم.
حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله
سيؤتينا الله من فضله ورسوله هو ليس بدعاء ولكنه يصف لما يطمح به المنافقين، حيث أن المولى عز وجل يعطيه الكثير من الخير ولكن المنافقين يتحدثون على أن الله لو يزقهم كما كان يرزقهم من قبل لكان خيراً لهم، كما جاء في نصر الآية الكريمة: " وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" وكان ذلك رأي العالم الشوكاني. ولكن يوجد العديد من الأدعية المستحبة التي يدعوا بها الكثير من الأشخاص، وذلك من أجل تحقيق أمانيهم خلال الفترة القادمة أو القريب العاجل بفضل المولى عز وجل لعبده الذي لا يمتلك حول ولا قوة إلا من خلال الاستعانة به فهو العبد الفقير إلى الله لذ يحرص الكثير من المسلمين على الدعاء. أفضل الأدعية
يا رافع السموات والأرض يا رب كل شيء وخالق كل شيء ومالك كل شيء يا رب اجب دعوانا وحقق أحلامنا. يا رب أنت اعلم ما في نفسي وقلبي، اللهم اجبر قلبي وأرح عقلي وحقق لي ما أتمناه. وجهك الذي ملء أكان عرشك وبقدرتك على جميع خلقك يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني. اللهم لا تجعل لنا أملاً إلا بك اللهم حقق لنا جميعًا ما نتمنى لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. برحمتك أستعين سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولله الحمد، أستغفر الله عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك، ومداد كلماتك.
حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله
"متفق عليه" فقد جاءت هذه الآية التي تسبقها لتبين حال المنافقين وسوء أدبهم مع النبي -عليه السلام- حال توزيعه للغنائم، ثم جاءت الآية التالية: (وَلَو أَنَّهُم رَضوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ سَيُؤتينَا اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَرَسولُهُ إِنّا إِلَى اللَّهِ راغِبونَ) ، "التوبة: 59" لتنبه هؤلاء المنافقين لو أنهم رضوا بقسمة الله ورسوله وقالوا كفينا الله وحده، وإنّا لله نعمل ونتضرع لكان خيراً لهم.
فذكرت في كتاب: (تبصير الناسك بأحكام المناسك على ضوء الكتاب والسنة والمأثور عن الصحابة) تحت عنوان: ( أدعية وأذكار من الكتاب والسنة الصحيحة يُدعى بها في عرفة وغيرها) ذكرت خمسة وثلاثين ذكراً ودعاء ولم يخطر ببالي ذكر هذا الدعاء لأنه ليس من أدعية القرآن لاسيما مع حصول التعديل فيه بالحذف منه، إلا { حَسْبَكَ اللّهُ} فإنها توكل على الله ورد في الكتاب والسنة. 3.