القول في تأويل قوله تعالى: ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ( 47))
يقول تعالى ذكره ( ونضع الموازين) العدل وهو " القسط " وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين ، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر. وقوله ( ليوم القيامة) يقول: لأهل يوم القيامة ، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه ، وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى " في " كأن معناه عنده: ونضع الموازين القسط في يوم القيامة ، وقوله ( فلا تظلم نفس شيئا) يقول: فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله ، وطاعة أطاعه بها ، ولكن يجازي المحسن بإحسانه ، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. إعراب قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال الآية 47 سورة الأنبياء. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة)... إلى آخر الآية ، وهو كقوله ( والوزن يومئذ الحق) يعني بالوزن: القسط بينهم بالحق في الأعمال الحسنات والسيئات ، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه ، يقول: أذهبت حسناته سيئاته ، ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفت موازينه وأمه هاوية ، يقول: أذهبت سيئاته حسناته.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنبياء - القول في تأويل قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة "- الجزء رقم18
حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) قال: إنما هو مثل ، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحق ، قال الثوري: قال ليث عن مجاهد ( ونضع الموازين القسط) قال: العدل. [ ص: 452] وقوله ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) يقول: وإن كان الذي من عمل الحسنات ، أو عليه من السيئات وزن حبة من خردل أتينا بها: يقول: جئنا بها فأحضرناها إياه. كما حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: ابن زيد في قوله ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) قال: كتبناها وأحصيناها له وعليه. الباحث القرآني. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) قال: يؤتى بها لك وعليك ، ثم يعفو إن شاء أو يأخذ ، ويجزي بما عمل له من طاعة ، وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) قال: جازينا بها. حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال: ثنا سفيان عن ليث عن مجاهد أنه كان يقول ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) قال: جازينا بها ، وقال أتينا بها ، فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث ، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة ، لأنه عنى بقوله بها الحبة دون المثقال ، ولو عنى به المثقال لقيل به ، وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأول قوله ( أتينا بها) على ما ذكرنا عنه ، لأنه كان يقرأ ذلك ( آتينا بها) بمد الألف.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} فبين سبحانه أن التفرقة بين المؤمنين والكافرين تكون يوم القيامة, فالمؤمنون في روضة يحبرون, والكافرون في العذاب محضرون. وقال تعالى في سورة يس { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} ، فبيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكافرين إذا صار يوم القيامة وخرجوا من قبورهم حينئذٍ يقولون { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}. وقال تعالى في سورة ابراهيم { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ. مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}، فبيّن سبحانه أنّه ليس بغافلٍ عمّا يعمل الظالمون ولكنّه تعالى يؤخّرهم ليوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنبياء - القول في تأويل قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة "- الجزء رقم18. وقال تعالى أيضا في نفس السورة { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} ، فقوله { يَوْمَئِذٍ} يعني يوم القيامة.
إعراب قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال الآية 47 سورة الأنبياء
⁕ حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنه كان يقول ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا﴾ قال: جازينا بها، وقال أتينا بها، فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة، لأنه عني بقوله بها الحبة دون المثقال، ولو عني به المثقال لقيل به، وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأوّل قوله ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ على ما ذكرنا عنه، لأنه كان يقرأ ذلك ﴿آتَيْنا بها﴾ بمدّ الألف. وقوله: ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾
يقول: وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين، لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدنا من صالح أو سيئ منا.
فيقول: بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك. فيخرج له بطاقة فيها: " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله " فيقول: أحضروه ، فيقول: يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم ، قال: " فتوضع السجلات في كفة [ والبطاقة في كفة] " ، قال: " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " قال: " ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم ". ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الليث بن سعد ، به ، وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضع الموازين يوم القيامة ، فيؤتى بالرجل ، فيوضع في كفة ، فيوضع ما أحصي عليه ، فتمايل به الميزان " قال: " فيبعث به إلى النار " قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول: [ لا تعجلوا] ، فإنه قد بقي له ، فيؤتى ببطاقة فيها " لا إله إلا الله " فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان ". وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو نوح قراد أنبأنا ليث بن سعد ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة; أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلس بين يديه ، فقال: يا رسول الله ، إن لي مملوكين ، يكذبونني ، ويخونونني ، ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، إن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم ، كان فضلا لك [ عليهم] وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ، كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ، اقتص لهم منك الفضل الذي يبقى قبلك ".
الباحث القرآني
(متفق عليه). وفي الحديث: ((والحمد لله تملأ الميزان)). (رواه مسلم). وكذلك أيضاً ورد أنَّ العباد أنفسهم يوزنون؛ كما في حديث النبيّ عليه الصَّلاة والسّلام أنّه قال: (( يؤتى بالرَّجل العظيم السَّمين من أهل الدنيا يوم القيامة، فلا يزن عند الله جناح بعوضة)). (البخاري ومسلم). ولمَّا تعجَّب الصَّحابة من دقَّة ساقي عبد الله بن مسعود وضحكوا، قال رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((تعجبون من دقة ساقيه ؟ لهما عند الله أثقل من جبل أحد)). (رواه أحمد في مسنده). في الميزان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسَّلامة. فمن ثقلت موازينه.. في الميزان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسَّلامة. قال سبحانه: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ، قال الإمام القرطبي: (أي عيش مرضي ، يرضاه صاحبه. وقيل: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي فاعلة للرضا ، وهو اللين والانقياد لأهلها.
﴿ وَإِنْ كَانَ ﴾ الشيء ﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ ﴾؛ أي: زنة مثقال حبة، ﴿ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾، قرأ أهل المدينة: "مثقالُ" برفع اللام ها هنا وفي سورة لقمان، يعني: وإن وقع مثقال حبة من خردل، ونصبها الآخرون على معنى: وإن كان ذلك الشيء مثقال حبة؛ أي: زنة مثقال حبة من خردل. ﴿ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ أحضرناها لنجازي بها ﴿ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾؛ قال السدي: محصين، والحَسْب معناه: العدل، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: عالمين حافظين؛ لأن من حسب شيئًا علمه وحفظه. تفسير القرآن الكريم
1
مرحباً بالضيف
الثالث: ما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه ، قاله قتادة. وكان الله غفورا رحيما أي غفورا عما كان في الشرك ، رحيما بقبول التوبة في الإسلام.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ) حكم لام لفظ الجلالة في المثال السابق - موقع المتقدم
الثاني: قولوا أخونا فلان وولينا فلان ، قاله يحيى بن سلام. وروى محمد بن المنكدر قال: جلس نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم جابر بن عبد الله الأنصاري فتفاخروا بالآباء فجعل كل واحد منهم يقول أنا فلان بن فلان حتى انتهوا إلى سلمان فقال أنا سلمان ابن الإسلام فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: صدق سلمان وأنا عمر بن الإسلام وذلك قوله: فإخوانكم في الدين. الثالث: إنه إن لم يعرف لهم أب ينسبون إليه كانوا إخوانا إن كانوا أحرارا ، وموالي إن كانوا عتقاء كما فعل المسلمون فيمن عرفوا نسبه وفيمن لم يعرفوه فإن المقداد بن عمرو كان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، فرجع إلى أبيه وسفيان بن معمر كانت أمه امرأة معمر في الجاهلية فادعاه ابنا ثم أسلم سفيان وشهد بدرا فنسب إلى أبيه ونسبه في بني زريق من الأنصار. ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. وممن لم يعرف له أب سالم ، مولى أبي حذيفة ونسب إلى ولاء أبي حذيفة. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ما أخطأتم قبل النهي وما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وغيره ، قاله مجاهد. [ ص: 373] الثاني: ما أخطأتم به ما سهوتم عنه ، وما تعمدت قلوبكم ما قصدتموه عن عمد ، قاله حبيب بن أبي ثابت.
وهذا الكلام لا غبار عليه، ولكننى كلما قرأت الآية تبادر إلى ذهنى معنى آخر، يتعلق بفكرة التناقض فى المشاعر، أى أن الله لم يجعل لرجل من قلبين فى جوفه فيحب بأحدهما فلانا ويكرهه بالآخر، فالإنسان له قلب واحد والمفروض أن تكون له مشاعر واحدة تجاه الشىء الواحد، إما القبول أو الرفض، إما الرضا أو الغضب، ولكن أن يجمع بين سلوكين متناقضين على أمر واحد فهو غريب ويدخل فى باب التناقض كما ذكرت من قبل. والسؤال الذى أطرحه على نفسى دائما: لى قلب واحد، فكيف آتى بأمرين متناقضين؟ كيف أجمع بين رغبتى فى نجاح أمر ورغبتى فى إفساده؟ مثل هذه التناقضات قد تبدو بسيطة وقد لا ينتبه الإنسان إليها الإنسان، لأنها تتسرب إليه فى حياته اليومية، ولكنها فعلا خطيرة خاصة عندما تتراكم، حتى يجد قلبه ذات يوم قد سار به إلى مناحى بعيدة، وأنه لم يعد يعرف ما يريد وما يرفض، وما يحب وما يكره، لذا نسأل الله السلامة.