وعندما التفت الى الموسيقار الموجي يستأذنه إذا كان يوافق على هذه الفكرة، ابتسم الموجي موافقاً، وقال بتواضع فوري: طبعاً، طبعاً، فكل هذا من ابداع الاستاذ. في تاريخ الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية حادثة شهيرة مات فيها الموسيقار موزار قبل اكمال لحنه الأخير الريكويم، فما كان من أحد تلاميذه سوسماير، إلا أن قام بالمهمة خير قيام. أما في عينيك عنواني فهي قصة مشابهة رائعة في تاريخ الموسيقا العربية المعاصرة، تستحق أن تروى في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الموجي، والثامنة عشرة لرحيل عبدالوهاب.
في عينيك عنواني الحالي
في مثل هذه الأيام من العام 1994 (أي في 16 يونيو/ حزيران) رحل عن دنيانا أحد أفذاذ مبدعي الموسيقا العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، هو الموسيقار محمد الموجي. ولعل أجمل ما نحيي به الذكرى الخامسة عشرة لهذا الموسيقار، هي استذكار أحد آخر ألحانه البديعة، لحن قصيدة في عينيك عنواني الذي شدت به المطربة المغربية الرائعة المعتزلة باكراً: سمية قيصر. لعل أبرز ما في قصة هذا اللحن الرائع، أنه اللحن الوحيد في الموسيقا العربية، الذي تضافر على وضعه اثنان من أساطين النغم العربي (باستثناء الأعمال التي تحمل توقيع الأخوين رحباني)، هما محمد عبدالوهاب ومحمد الموجي. بدأت قصة هذا اللحن مع أحد الأصدقاء المقربين للموسيقار محمد عبدالوهاب في سنواته الاخيرة، وهو الشاعر والصحافي المعروف فاروق جويدة. ويبدو أن عبدالوهاب كعادته مع أصدقائه الشعراء منذ أميرهم أحمد شوقي الى الأخطل الصغير بشارة الخوري الى محمود حسن اسماعيل الى نزار قباني، قد لفتت نظره أو سمعه قصيدة فاروق جويدة العاطفية في عينيك عنواني التي مطلعها: يقول الناس يا عمري بأنك سوف تنساني وتنسى أنني يوما وهبتك نبض وجداني وتعشق موجة أخرى وتهجر دفء شطآني وعكف محمد عبدالوهاب بمزاج الهاوي، كما بقي طوال عمره المديد في احتراف الموسيقا، على استلهام ألحان المقاطع الأولى من هذه القصيدة.
في عينيك عنواني لفاروق جويده
قالت: سوف تنساني
وتنسى أنني يوما
وهبتك نبض وجداني
وتعشق موجة أخرى
وتهجر دفء شطآني
وتجلس مثلما كنا
لتسمع بعض ألحاني
ولا تعنيك أحزاني
ويسقط كالمنى اسمي
وسوف يتوه عنواني
ترى.. ستقول يا عمري
بأنك كنت تهواني؟! * * *
فقلت: هواك إيماني
ومغفرتي.. وعصياني
أتيتك والمنى عندي
بقايا بين أحضاني
ربيع مات طائره
على أنقاض بستان
رياح الحزن تعصرني
وتسخر بين وجداني
أحبك واحة هدأت
عليها كل أحزاني
أحبك نسمة تروي
لصمت الناس.. ألحاني
أحبك نشوة تسري
وتشعل نار بركاني
أحبك أنت يا أملا
كضوء الصبح يلقاني
أمات الحب عشاقا
وحبك أنت أحياني
ولو خيرت في وطن
لقلت هواك أوطاني
ولو أنساك يا عمري
حنايا القلب.. تنساني
إذا ما ضعت في درب
ففي عينيك.. عنواني
في عينيك عنواني سمية قيصر - YouTube
والإسلام يدعو إلى الألفة والاجتماع وينهى عن الاختلاف، وهي تخالفه إذ هي متفرقة مختلفة فيما بينها، كل فرقة تعيب الأخرى وتدعي أنها وحدها على الحق. ثم يئول الأمر إلى انحسار تأثير الجماعة في المجتمع، ثم اضمحلالها واندثارها وقيام جماعات جديدة مكانها هي فرق المنفصلين عنها، ووقائع التاريخ البعيد والقريب تؤيد ما نقول)[7]. لقد ابتليت الدولة العثمانية خصوصًا في أواخر عهدها بالاختلاف والتفريق بين الزعماء والسلاطين، فقد حاول بعض الحكام المحليين الاستقلال الذاتي عن الحكومة المركزية بإطالة فترة حكمهم ومحاولة تأسيس أسر محلية (المماليك في العراق، آل العظم في سوريا، المعنيون والشهابيون في لبنان، محمد علي في مصر، ظاهر العمر في فلسطين، أحمد الجزار في عكا، علي بك الكبير في مصر، القرامليون في ليبيا)[8]. من أسباب سقوط الدولة العثمانية .. الاختلاف والفرقة| قصة الإسلام. وهذا الصراع بين الحكام المحليين والدولة العثمانية ساهم في إضعافها ثم زوالها وسقوطها، ولقد ذكر بعض المؤرخين أسباب السقوط وحدث لهم تخليط بين الأسباب في السقوط وبين الآثار المترتبة عن الابتعاد عن شرع الله تعالى. إن الحديث عن الضعف السياسي والحربي والاقتصادي والعلمي والأخلاقي والاجتماعي وكيفية القضاء على هذا الضعف، والحديث عن الاستعمار والغزو الفكري والتنصير وكيفية مقاومتها لا يزيد عن محاولة القضاء على تلك الأعراض المزعجة، ولكن لا يمكنه أبدًا أن ينهض بالأمة التي أصيبت بالخواء العقدي، وما لم يتم محاربة الأسباب الحقيقية والقضاء عليها، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال القضاء على تلك الآثار الخطيرة.
سبب سقوط الدوله العثمانيه الحلقه الاخيره
دور العرب في هذا الانهيار يلقي البعض سسب انهيار الدولة العثمانية على العرب، وهذا ليس صحيح بالكامل، فقد بينت الروايات التاريخية الموثوقة أن العرب وقفوا لجانب الدولة العثمانية على مدار 600 عام، وقدموا الكثير من التضحيات. لكن ما جرى من الثورة العربية الكبرى كان مجرد ثورة على حكمٍ بيد يهود الأتراك وليس السلطان، فكانت بمثابة تحرر من محاولة احتلال كبيرة لشتى الدول العربية، بغض النظر عن نتائج الثورة وتحالفاتها.
[8] انظر: العالم العربي في التاريخ الحديث، د. إسماعيل ياغي، ص94.