{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [سورة الإسراء: 13-14] يقول ابن كثير أن المقصود من الآيات أن عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره، ويكتب عليه ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً.
إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الإسراء - قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه- الجزء رقم8
الثاني: أنها اللطخة السوداء التي في القمر، وهذا قول علي وقتادة ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيميز به الليل من النهار. {وجعلنا آية النهار مبصرة} فيه قولان: أحدهما: أنها الشمس مضيئة للأبصار. الثاني: موقظة.. تفسير الآيات (13- 14): {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} قوله عز وجل: {وكل إنسان ألزمنا طائره في عنقه} فيه قولان: أحدهما: ألزمناه عمله من خير أو شر مثل ما كانت العرب تقوله سوانح الطير وبوارحه، والسانح: الطائر يمر ذات اليمين وهو فأل خير، والبارح: الطائر يمر ذات الشمال وهو فأل شر، وأضيف إلى العنق. الثاني: أن طائره حظه ونصيبه، من قول العرب: طار سهم فلان إذا خرج سهمه ونصيبه منه، قاله أبو عبيدة. {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً} يعني كتاب طائره الذي في عنقه من خير أو شر. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الإسراء - قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه- الجزء رقم8. ويحتمل نشر كتابه الذي يلقاه وجهين: أحدهما: تعجيلاً للبشرى بالحسنة، والتوبيخ بالسيئة. الثاني: إظهار عمله من خير أو شر. {اقرأ كتابك} يحتمل وجهين: أحدهما: لما في قراءته من زيادة التقريع والتوبيخ.
( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)
قوله تعالى: ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا). اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في كيفية النظم وجوه:
الوجه الأول: أنه تعالى لما قال: ( وكل شيء فصلناه تفصيلا) كان معناه أن كل ما يحتاج إليه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد فقد صار مذكورا. وكل ما يحتاج إليه من شرح أحوال الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، فقد صار مذكورا. وإذا كان الأمر كذلك فقد أزيحت الأعذار ، وأزيلت العلل فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فقد ألزمناه طائره في عنقه ونقول له: ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا). [ ص: 134]
الوجه الثاني: أنه تعالى لما بين أنه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدين والدنيا ، مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما كان منعما عليهم بأعظم وجوه النعم. وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته وطاعته فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فإنه يكون مسئولا عن أعماله وأقواله. الوجه الثالث: في تقرير النظم أنه تعالى لما بين أنه ما خلق الخلق إلا ليشتغلوا بعبادته كما قال: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [ الذاريات: 56] فلما شرح أحوال الشمس والقمر والليل والنهار ، كان المعنى: إني إنما خلقت هذه الأشياء لتنتفعوا بها فتصيروا متمكنين من الاشتغال بطاعتي وخدمتي ، وإذا كان كذلك فكل من ورد عرصة القيامة سألته أنه هل أتى بتلك الخدمة والطاعة ، أو تمرد وعصى وبغى ، فهذا هو الوجه في تقرير النظم.
من أهم وصايا الإمام المجدد رحمه الله وصيته بالصلاة على أحسن وجه، فهي أساس الدين المتين. يقول رحمه الله: وأوصي بالصلاة، إقامتها في المسجد والجماعة مع التحري الجميل في الطهارة اتباعا منتبها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحركات والسّكنات والمواقيت والكيفيات. الصلاة! الصلاة! الصلاة! عمود الدين وعماده. فسطاط الدين وأوتاده. إقامة الصلاة دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لنفسه ولذريَّته: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ 1. (من وصية الإمام رحمه الله). والصلاة جامعة لشروط التربية. فالصلاة ذكر ومع الخشوع صدق ومع الجماعة صحبة. الصلاة عمود الدين. والصلاة في المسجد إقبال على الله. وهي معراج المومن إلى الله، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. 1- الصلاة معراج روحي وذكر يقول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا 2. والمعنى: فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: وقرآن الفجر هذه خمس صلوات 3. ثم يقول تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا 4.
الصلاة عمود الدين
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، وخير خلقه، سيّدنا ونبيّنا محمّد المصطفى صلّى الله عليه وعلى أهل بيته الطّيبين الطاهرين المعصومين المكرّمين المنتجبين، وبعد:
فإنّ لكل أمر عظيمٍ عماداً، وعماد هذا الدين: الصلاة؛ إذ عليها بُني الإسلام، وهي نور المؤمن، والميزان الذي من أوفى به استوفى، وقربان كلّ تقي، وهي التي تسوّد وجه الشياطين، وتحصّن من سَطواتهم، وبها يتميّز المؤمن ويتّصل بربّه وخالقه الأعلى، وقد أفلح من أقامها خاشعاً لله مخلصاً له الدين، وقد خاب من أضاعها واستخفّ بها، واتّبع هواه، وأرضى غرائزه وشهواته. وهي منهاج الأبنياء وآخر وصاياهم، ووجه الدين، وأحبذ الأعمال إلى الله عزّ وجل، وفيها مرضاة الربّ، وبها تُقبل الأعمال وتُردّ، وخير العمل، وأفضل الأعمال بعد المعرفة بالله، وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكفّارة لما بينها من الكبائر، وهي الحسنات التي يذهبن السيّئات، وهي التي من أقامها ـ بشروطها ـ انصرف عنها كيوم ولدته أمّه، وهي أوّل ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة ويُحاسب به([1]). وجوب الصلاة الصلاة واجبة بالكتاب والسنّة والإجماع ، قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ}([2]) وقال: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ}([3]) وقال: { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}([4]) وقال: { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}([5]) وقال: { حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ}([6]) وقال: { إنّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}([7]) إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم.
وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، وصدق الله العظيم: [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً] (مريم: الآية59). فلا يليق بمسلم يخشى الله ويرجو ثوابه أن يتهاون فيها أو يتكاسل، بل ينبغي أن يسعى جاهداً لإقامتها تامة محققاً ما فيها من الخشوع والخضوع لله، متجرداً من كل مغريات الحياة وفتنها، ومن فعل ذلك فهنيئاً له الفوز والفلاح. وصدق الله العظيم: [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ]
(المؤمنون: الآيتان 1، 2). اللهم وفقنا لأداء الصلاة على الوجه الذي يرضيك عنا يا كريم، اللهم صل وسلم على أكرم خلقك الذي صلى حتى تفطرت قدماه فكان لك عبداً شكوراً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين. اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، وارفع درجاتهم في الجنات، واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم، وأصلح نياتهم وذرياتهم.