إنّه عربة تقف عند كل باب، إنّه يصحح كل الأخطاء، ويجفف كل الدموع، إنّه سكين على رقاب العباد، إنّه نقطة في نهاية كل سطر. إذا كانت الشيخوخة هي الانسحاب الهادئ من الحياة؛ فالموت نهاية الانسحاب. قليلون جداً أصدقاء الموتى، أن أموت فهذا شيء لا يخيف، ولكن أن أموت عاراً فهذا هو المخيف. هؤلاء العظماء كالأشجار يموتون واقفين، وإذا ماتوا جاء موتهم عند قمتهم. أن تموت أسداً خير من أن تعيش كلبّاً، الموت هنا، الموت هناك، الموت مشغول بالحياة في كل مكان، كل مكان: مقبرة، كل زيّ كفن، كل بداية نهاية، كل حي ميت. وما هي القناعة؟ معنّاها أن أرضى بما هو عندي، فأين الّذي هو عندي لكي أرضى به؟ إنّ صاحب هذه العبارة أراد أن يجعلها سلسلة من حديد ساخن حول أعناقنا حتّى لا نتحرّك، حتّى لا نمدّ يدًا، ولا عينًا. الأحاديث التافهة؛ هي كل ما يدور بين اثنين من المحبين. هناك ثلاثة أنواع من الرحلات، أن تسافر، وأن تقرأ الكتب، وأن تقرأ كتب الرحلات. كتب قالو ناس زمان من نوادر المثال الشعبية - مكتبة نور. كأنّنا طيور حمام عندما نولد، بلابل عندما نكبر، نسور عندما نحكم، هدهد عندما نتكلم، بومة عندما نحقد، ديك بين عشرات الدجاج عندما نتباهى، ولكننا غربان؛ عندما نودّع هذه الحياة. ما ضرورة أن يسعى المريض إلى طبيب القلب، إذا كانت مصاريف العلاج؛ توجع القلب، والعقل.
- كتب قالو ناس زمان من نوادر المثال الشعبية - مكتبة نور
- محمد بن ابي عامر الحاجب المنصور
كتب قالو ناس زمان من نوادر المثال الشعبية - مكتبة نور
لا يزال الإنسان يحطّم الأصنام؛ لكنّه قبل أن يحطّمها فهو يصنعها، ويجعلها صورة لمستقبله، وأحلامه البعيدة. وكل ما ينطلق من الشفتين ولا يبلغ أذنيها فهو وهم، والحب ليس وهماً؛ بل هو حقيقة تمت بين طرفين متجاوبين، والطريق إلى قلب المرأة يبدأ بالشجاعة، وينتهي بالتضحية. الصداقة الحقيقيّة بين رجل وامرأة يجب أن ترضي العقل، والقلب، والجسم معاً، والزواج هو الذي يجعل هذا ممكناً. أنا أمشي في جنازة كل المعاني، وكل النّاس، واليوم، والغد؛ وحدي. العقلاء يفهمون الأشياء، والأذكياء يفهمون الناس. عندما يقدم الرجل قلبه لامرأة، تكون قد خطفته قبل ذلك. الشعوب تريد حريتها في إختيار إرادتها، وفي أن تصحوا وتنام على الجنب الذي يريّحها، ولا تريّحها إلا الحرية. أنا مواطن في دولة الأرق. الحب المفاجئ؛ أطول العواصف عمراً. ولكن رغبتي في أن أعرف هي التي تغلبت على خوفي، فأنا أريد أن أعرف، وبأي ثمن. المثقفين هم أناس في حالة غيبوبة عقليّة ولديهم مشاريع وهمية، ووراء كل واحد منهم خادم يذكّره بما يريد أن يقول، وماذا يريد أن يقترح. في حياتنا اليومية أحداث صغيرة، ولأنّها صغيرة فإننا لا نلتفت إليها، ولا نستخرج معانيها العميقة. كلموني، كلمونا، ناقشونا، اسألونا، ليس بالشتيمة ولا بالعصا، من يدري ربما تغيرت، ربما غيرت رأيي، ربما تغيرنا جميعاً، فلا يغيّر الرأي إلا الرأي، ولا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يقطع الماس إلا الماس.
وإذا كانت السعادة هي الغاية التي يريدها كل إنسان، فإنّ أحداً لا يعرف بالضبط ما تعنيه كلمة السعادة، إنّها مثل الصحّة نحسّها، ولا نعرف ما هي، إنّها مثل الكهرباء نعرفها، ولا نراها، فالسعادة ليست برتقالة نقطفها، ونقشرها، ونأكلها بعد ذلك، إنّها مجموعة أشياء معاً. أطول حب في الدنيا؛ حب الإنسان لنفسه. علم النفس يطلب من المرأة أن تكون رجلاً مشوهاً. يوم لم أضحك فيه؛ يوم ضاع من عمري. إنّنا نحتاج إلى شجاعتنا الجسميّة مرات قليلة جدّاً في حياتنا، وذلك عندما يهددنا خطر غير متوقّع، ولكن شجاعتنا النفسيّة هي التي نحتاج إليها كثيراً، بل نحتاج إليها دائماً. كل شجرة عائلة؛ تحتاج إلى تهذيب. فنحن نعيش بحكم العادة، ولذلك فالعادات قد جعلت عالمنا محدوداً، وحركتنا محدودة، والدنيا التي نتحرك فيها أيضاً محدودة، ونحن نريدها أن تكون محدودة ضيقة؛ حتى لا نتعب، فأنت تمشي في نفس الشارع كل يوم، وتجلس على نفس المكتب، وتقابل نفس الوجوه، هكذا هو ضيّقنا الدنيا علينّا، وخنقنا أنفسنا، وإذا حاولنا أن نهرب؛ فإننا نضع لأنفسنا قيوداً أخرى جديدة. الزواج خطوةٌ هامة جداً، ولذلك يجب أن نظل نستعد لها حتّى نموت. أي إنسان من الممكن أن يوجه له أي إتهام، فقلما نجد إنساناً يسير على شاطىء البحر مستمتعاً بهيبته وجماله، ثم لا يلقيه بحجر.
ابن أبي عامر
الملك المنصور ، حاجب الممالك الأندلسية ، أبو عامر ، محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني المعافري القرطبي ، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس ، فإن هذا المؤيد استخلف ابن تسع سنين ، وردت مقاليد الأمور إلى الحاجب هذا ، فيعمد إلى خزائن كتب الحكم ، فأبرز ما فيها ، ثم أفرد ما فيها من كتب الفلسفة ، فأحرقها بمشهد من العلماء ، وطمر كثيرا منها ، وكانت كثيرة إلى الغاية ، فعله تقبيحا لرأي المستنصر الحكم. وكان بطلا شجاعا ، حازما سائسا ، غزاء عالما ، جم المحاسن ، كثير الفتوحات ، عالي الهمة ، عديم النظير ؛ وسيأتي من أخباره في ترجمة المؤيد. دام في المملكة نيفا وعشرين سنة ، ودانت له الجزيرة. وأمنت [ ص: 16] به ، وقد وزر له جماعة. وكان المؤيد معه صورة بلا معنى ، بل كان محجوبا لا يجتمع به أمير ولا كبير ، بل كان أبو عامر يدخل عليه قصره ، ثم يخرج فيقول: رسم أمير المؤمنين بكذا وكذا ، فلا يخالفه أحد ، وإذا كان بعد سنة أو أكثر ، أركبه فرسا ، وجعل عليه برنسا ، وحوله جواريه راكبات ، فلا يعرفه أحد. وقد غزا أبو عامر في مدته نيفا وخمسين غزوة ، وكثر السبي حتى لأبيعت بنت عظيم ذات حسن بعشرين دينارا ، ولقد جمع من غبار غزواته ما عملت منه لبنة ، وألحدت على خده ، أو ذر ذلك على كفنه.
محمد بن ابي عامر الحاجب المنصور
والواقع أنه كان يتميز بعدة صفات أساسية أتاحت له قيادة البلاد وزعامتها طيلة ربع قرن على الأقل، فقد كان ضليعا في العلوم الدينية والفقهية، ومحنكا في الشؤون الدنيوية والسياسية، وعلى الرغم من قوته وجبروته إلا أنه لم يقتل الخليفة الشرعي ولم يحل محله وإنما شكل سلطة موازية له، وهكذا ظلت الخلافة للأمويين وإن بشكل رسمي أو شكلي فقط، وأصبحت السلطة الفعلية في يد وزيرهم، المنصور. وقد حصل شيء مشابه لذلك في بغداد عندما استولى البويهيون على السلطة الفعلية وتركوا المناصب الشكلية والتشريفية للخليفة العباسي الذي لم يعد له من السلطة إلا الاسم. لكي يشرح المؤلف كيفية صعود محمد بن أبي عامر إلى سدة السلطة وما حصل في عهده من أحداث جسام فإنه يقسم كتابه إلى تسعة فصول مع مقدمة وخاتمة. الفصل الأول يتحدث عن بدايات محمد بن أبي عامر، أي عن ولادته، وطفولته، وتعليمه، وارتقائه في سلم الوظائف حتى وصل إلى مرتبة الحاجب: أي الوزير بحسب لغة ذلك الزمان. كما ويتحدث المؤلف في الفصل الأول عن إرسال الخليفة الأموي له إلى المغرب الأقصى من أجل الدعاية له في صفوف القبائل البربرية وتجنيد المجاهدين هناك، وقد نجح في مهمته المغربية أفضل نجاح على ما يبدو.
وكان الخطر الأخير الذي واجهه المنصور هو الخطر الذي تعرض له من ابنه الأكبر عبد الله، الذي عقد تحالفًا سريًا مع عبد الرحمن التجيبي والي سرقسطة ضد المنصور، ولكن الحاجب القوي استطاع أن يقضي على تلك الفتنة في بدايتها، فقتل ابنه وشريكه في المؤامرة دون أن يرتعش له رمش أو تطرف له عين. والغريب أن المنصور وسط كل تلك الأحداث الدامية التي شهدها عهده، قد أظهر كفاءة عسكرية حربية منقطعة النظير، حتى يُحكى أنه قام بخمسين حملة عسكرية لم يُهزم في أي واحدة منها، كما استطاع أن يصل إلى أماكن في أقصى الشمال الإسباني لم يصلها قبله أي من الفاتحين أو الأمراء المسلمين. وفي 27 رمضان 392ه، توفي المنصور بن أبي عامر أثناء قيامه بإحدى الغزوات وتم دفنه في مدينة سالم وتم تدوين البيتين اللذين افتتحنا بهما المقال على قبره، وأسدل الستار على صفحة واحد من أهم الزعماء الميكيافيلين البراجماتيين الذين جعلتهم السلطة ينقلبون على حلفائهم وأبنائهم في سبيل الحفاظ عليها والاحتفاظ بها. والسؤال الأخلاقي الفلسفي الذي يطرح نفسه ها هنا، أي المثالين أفضل للدولة والرعية، ديكتاتورية المنصور – رغم طرقها النفعية الوصولية المنفرة – التي كانت سبيلًا لحفظ وحدة المسلمين وقوتهم في شبه الجزيرة الأيبيرية، أم الديموقراطيات الزائفة التي أوصلت ملوك الطوائف إلى السلطة بعد انهيار الدولة العامرية، وانتهت بالمسلمين إلى حالة غير مسبوقة من حالات الضعف والاضمحلال والتشرذم؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست