النشأة الكريمة:
اختار الله « تعالى » لأمّ البنين سلام الله عليها أنْ تنشأ في منبت طاهر، في بيت شجاعةٍ وكرم. وقد كان أبوها حزام مسافراً يوماً ما فرأى في نومه كأنّه جالسٌ في أرض خصبة، منعزلاً عن جماعته وبيده درّة يقلّبها متعجّباً من رونقها، فإذا برجل أقبل إليه من صدر البريّة على فرس له، سلّم عليه، فردّ حزامٌ السلام عليه، ثمّ قال الرجل: بكم تبيع هذه الدرّة، قال: لا أعرف قيمتَها، ولكنْ بكم تشتريها أنت ؟ فقال الرجل: لا أعرف قيمتها لكن اهدِها إلى أحد الأمراء وأنا الضامنُ لك بشيءٍ هو أغلى من الدراهم والدنانير، قال: ما هو ؟ قال: أضمنُ لك بالحظوة عنده والزلفى والشرف والسؤدد أبد الآبدين. قال له حزام: وتكون أنت الواسطة ؟ قال: نعم، أعطني إيّاها. فأعطاها، فلمّا انتبه حزام من نومه قصّ رؤياه على جماعته وطلب تأويلها، فقال له أحدهم: إنْ صدقتْ رؤياك فإنك تُرزق بنتاً يخطبها منك أحد العظماء، وتنال عنده بسببه القُربى والشرفَ والسؤدد. ام البنين عليها ام. فلمّا عاد من سفره بُشّر حزام بأنّ زوجته ثمامة بنت سهيل قد وضعتْ بنتاً، فتهلّل وجهه وسُرّ بها، فقيل له: ما نُسمّيها، فقال: سمّوها فاطمة، وكنّوها بـ ( أمّ البنين). فنشأتْ بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل، وقد حباها الله « سبحانه » بجميل ألطافه، إذْ وهبها نفساً حرّةً عفيفةً طاهرة، وقلباً زكيّاً سليماً، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد، فلمّا كبرتْ كانتْ مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً، لذا وقع اختيار عقيل عليها لأنْ تكون قرينةَ أمير المؤمنين «عليّ» عليه السّلام.
اولاد ام البنين(س)
ولما كان من الامام الحسين (عليه السلام) عزمه على مغادرة مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله،كان عبد الله من أوائل الملتحقين المنضمين الى ركب كربلاء فلما كان يوم عاشوراء دعاه أبو الفضل العباس الى مجاهدة أعداء الله من فرق الغدر والخيانة والنفاق، الذين دعوا الحسين الى نصرتهم، فلما استجاب لدعوتهم نكثوا بيعتهم ومالوا عليه يقاتلونه بسيوفهم. وقد قيل بأن العباس (عليه السلام) قال لأخيه عبد الله: تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك. فما كان من عبد الله بن أمير المؤمنين الا أن بادر بعد استئذانه أخاه الامام الحسين فتقدم الى ساحة المبارزة والمواجهة والقتال وحده، يقابل جموعاً وأفواجاً من الفرسان، يضرب فيهم بسيفه، ويجول حومة المنازلة وهو يرتجز قائلاً:
أنا ابن ذي النجدة والافضال
ذاك عليّ الخير في الفعال
سيف رسول الله ذو النكال
في كل قوم ظاهر الاهوال
حتى قتل عشرين رجلاً، لكن مقاتلة الجموع في ذلك الحر الشديد قد انهك قواه، حينها تقدم نحوه هاني بن ثبيت الحضرمي، فتبارزا، واختلفا بضربتين، ثم شدّ عليه هاني فضربه على أم رأسه فقتله. تحميل كتاب ام البنين عليها السلام ل السيد محمد الشيرازي pdf. فسقط مضرجاً بدماء الشهادة، فسارع اليه العباس واخوته وحملوه من ساحة المعركة الى خيمة الشهداء رضوان الله عليه وكان له من العمر يوم استشهد خمس وعشرون سنة ـ كما ذكر الاصفهانيّ في (مقتل الطالبيين) ـ وأضاف: ولا عقب له.
تحميل كتاب ام البنين عليها السلام ل السيد محمد الشيرازي Pdf
*موقع جمعية المعارف الاسلامية الثقافية -الشيخ عباس كاشف ال غطاء.
وقامت السيِّدة أُم البنين برعاية سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانتيه وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين (عليهما السلام)، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد أُمّهما سيِّدة نساء العالمين فقد توفّيت، وعمرها كعمر الزهور فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما. لقد كانت السيِّدة أُم البنين تكنّ في نفسها من المودّة والحبّ للحسن والحسين (عليهما السلام) ما لا تكنّه لأولادها الذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم. لقد قدّمت أُم البنين أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، على أبنائها في الخدمة والرعاية. فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأنّ الله أمر بمودتهما في كتابه الكريم، وهما وديعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وريحانتاه، وقد عرفت أُم البنين ذلك فوفت بحقّهما وقامت بخدمتهما خير قيام. فأُم البنين (عليها السلام) هذه الشخصية التاريخية الباهرة الفذة التي أفنت حياتها كلّها في تربية الحسن والحسين سيِّدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام). ام البنين عليها السلام. لقد كانت أُم البنين (عليها السلام) القدوة الحسنة، والمثل الأعلى الذي يُحتذى به، وكانت عنواناً للثبات والإخلاص، والبسالة والتضحية، والفداء والشرف، والعزّة والكرامة في سبيل الحقّ والعدالة.