وعن عبد الله بن جعفر قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه, فأسرَّ إلي حديثا, لا أحدث به أحدا من الناس) رواه مسلم. صنع الطعام لأهل الميت: اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً:
يُسَنُّ لجيران وأقارب أهل المَيِّت تهيئة وصنع طعام يبعثون به إلى أهل الميت، إعانة لهم، وجبْراً لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن صنع الطعام لأنفسهم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قُتِل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة: ( اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً، فقد أتاهم أمرٌ يشغلُهُم). قال ابن تيمية: "إنما المُستحب إذا مات الميت أن يُصنع لأهله طعاماً، كما قال صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: ( اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فإنه قد أتاهم أمر شغلهم)". وقال ابن العربي: "وهو أصل في المشاركات عند الحاجة.. فذهولهم عن حالهم بحزن موت وليهم، اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم". اصنعو للاله جعفر طعاما (مربم السبتي ) | أزوكي ميديا. وقال الشافعي: "وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم، فإن ذلك سُنَّة، وذِكْرٌ كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا". وقال ابن قدامة: "يُسْتَحَبّ إصلاح طعام لأهل الميِّت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجَبْراً لقلوبهم، فإنهم رُبَّما اشتغلوا بمصيبتهم، وبِمَنْ يأْتي إليهم، عن إصلاح طعامٍ لأنْفسهم".
اصنعو للاله جعفر طعاما (مربم السبتي ) | أزوكي ميديا
ومع ذلك: فالواجب أن يبقى
الأمر في حدوده المشروع ، دون الخروج به عن الحد المعقول إلى المباهاة والمفاخرة. قال السيوطي: " هَذَا الْأَمر كَانَ فِي الِابْتِدَاء على الطَّرِيقَة المسنونة ،
ثمَّ صَار حَدثا فِي الْإِسْلَام ، حَيْثُ صَار مفاخرة ومباهاة ، كَمَا هُوَ
الْمَعْهُود فِي زَمَاننَا ؛ لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ عِنْد أهل الْمَيِّت ،
فيبعث أقاربهم أطعمة لَا تَخْلُو عَن التَّكَلُّف ، فَيدْخل بِهَذَا السَّبَب
الْبِدْعَة الشنيعة فيهم ". انتهى من " شرح سنن ابن ماجه " ( ص: 116). أرشيف الإسلام - شرح وتخريج حديث ( اجعلوا لآل جعفر طعاما ؛ فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم ... ) من مسند الشافعي. والله أعلم.
أرشيف الإسلام - شرح وتخريج حديث ( اجعلوا لآل جعفر طعاما ؛ فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم ... ) من مسند الشافعي
وسبق لنا -أيضا- في مسألة البكاء على الميت ذكرناه وذكرنا الحكم؛ وقلنا: إنه على أقسامٍ، والبكاء على الميت مثلما سبق في الزيارة، البكاء قد يكون بكاء مندوبا محبوبا مشروعا، وهو أن يبكي على إنسان لفقده لفضله ولدينه ولعلمه، فبكى عليه محبة في الله لمحبته في الله، فهذا البكاء بكاء مشروع ويؤجر عليه، والأعمال بالنيات. اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً - طريق الإسلام. والنوع الثاني: البكاء، البكاء المباح مثل أن يبكي على إنسان؛ لفقده إياه، لأنه يصله في الدنيا أو لبره له بالمال أو ما أشبه ذلك، أو لأنه يحبه على أمر من أمور الدنيا، فالمحبة بينهما على أمر من أمور الدنيا ليست على أمر فهو بكاء مباح، وليس محرما فليس له ولا عليه. النوع الثاني من البكاء، البكاء المحرم وهو البكاء بلوع زائد، بمعنى كما سبق بأن يكون فيه صراخ وعويل أو نوح، فهذا النوع الثالث نوع محرم. (1) الترمذي: الجنائز (998), وأبو داود: الجنائز (3132), وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1610). (2) الترمذي: الجنائز (998), وأبو داود: الجنائز (3132), وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1610).
اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً - طريق الإسلام
ثم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ابنَيْ أخي، قال فجيء بنا كأننا أفْرُخٌ، قال: ادعوا لي الحلاق، فجيء بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب ، وأما عبد الله فشبيه خَلْقي وخُلُقي، ثم أخذ بيدي فأشالها (رفعها) فقال: اللَّهمَّ اخلُفْ جعفراً في أهله، وبارك ل عبد الله في صفقة يمينه، قالَها ثلاثَ مِرار، قال: فجاءت أمنا ( أسماء بنت عميس) فذكرت يُتْمَنا، فقال: الْعَيْلَة (الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) رواه أحمد وصححه الألباني. لمَّا ذكرت أسماء بنت عُميس رضي الله عنها زوجة جعفر رضي الله عنه بعد مقتله واستشهاده يُتم أولادها وحاجتهم، طمأنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( العيلة، تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة). وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ل عبد الله بن جعفر بقوله: ( وبارك ل عبد الله في صفقة يمينه) فكان من أكثر المسلمين تجارة، وكان يُضرب به المثل في الجود والبذل والعطاء.
ما مِن خُلُقٍ من الأخلاق العظيمة، وما مِنْ خصلة من خصال الخير، إلا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم له منها أوفر الحظ والنصيب، وقد قال الله تعالى عنه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، ومن صفاته صلوات الله وسلامه عليه التي وصفه بها ربه سبحانه الرحمة ولين الجانب لأصحابه فقال سبحانه: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: 159). وفي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي، فقد كان يقضي حوائجهم، ويتواضع معهم، ويشاركهم في مزاحهم - ولم يكن مزاحه معه إلاَّ حقّاً-، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم وآمالهم.. فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم) رواه الحاكم ، وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم، ويمسح برؤوسهم، ويدعو لهم) رواه النسائي. ومن صور حب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومعاملته لهم: مشاركتهم في مشاعرهم، ومواساتهم وأهلهم وأولادهم في مُصابهم، ومحاولة رفْع الحزن والأسى عنهم، وله في ذلك مواقف كثيرة، ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقتله واستشهاده في غزوة ومعركة مؤتة.