وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم ، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات ، أي: بمجيء السحاب بعدها ، والرياح أنواع ، في صفات كثيرة من التسخير ، فمنها ما يثير السحاب ، ومنها ما يحمله ، ومنها ما يسوقه ، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشرا ، ومنها ما يكون قبل ذلك يقم الأرض ، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر; ولهذا قال: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا) أي: آلة يتطهر بها ، كالسحور والوقود وما جرى مجراه. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - الآية 18. فهذا أصح ما يقال في ذلك. وأما من قال: إنه فعول بمعنى فاعل ، أو: إنه مبني للمبالغة أو التعدي ، فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم ، ليس هذا موضع بسطها ، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، حدثني حميد الطويل ، عن ثابت البناني قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطير ، وطرق البصرة قذرة ، فصلى ، فقلت له ، فقال: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا) قال: طهره ماء السماء. وقال أيضا: حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا وهيب عن داود ، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا) [ قال: أنزله الله ماء طاهرا] لا ينجسه شيء.
- وأنزلنا من السماء ماء بقدر
- وأنزلنا من السماء ماء طهورا
- وانزلنا من السماء ماء مباركا
- وانزلنا من السماء ماء طهورا
وأنزلنا من السماء ماء بقدر
فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعا له. كما أن الحائط إذا بدا صلاحه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه. الثالثة: روى الأئمة كلهم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع. ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع. قال علماؤنا: إنما لم يدخل الثمر المؤبر مع الأصول في البيع إلا بالشرط; لأنه عين موجودة يحاط بها أمن سقوطها غالبا. بخلاف التي لم تؤبر; إذ ليس سقوطها مأمونا فلم يتحقق لها وجود ، فلم يجز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها; لأنها كالجنين. وهذا هو المشهور من مذهب مالك. وقيل: يجوز استثناؤها; هو قول الشافعي. الرابعة: لو اشتري النخل وبقي الثمر للبائع جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة قبل طيبها على مشهور قول مالك ، ويرى لها حكم التبعية وإن أفردت بالعقد. تفسير: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون). وعنه في رواية: لا يجوز. وبذلك قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث. وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. الخامسة: ومما يتعلق بهذا الباب النهي عن بيع الملاقح; والملاقح الفحول من الإبل ، الواحد ملقح. والملاقح أيضا الإناث التي في بطونها أولادها ، الواحدة ملقحة ( بفتح القاف).
وأنزلنا من السماء ماء طهورا
♦ الآية: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: المؤمنون (18). وأنزلنا من السماء ماء بقدر. ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ بمقدارٍ معلومٍ عند الله تعالى ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ ﴾ أثبتناه ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ قيل: هو النِّيل ودجلة والفرات وسيحان وجيحان وقيل: هو جميع المياه فِي الأَرْضِ ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ حتى تهلكوا أنتم ومواشيكم عطشا. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾، يَعْلَمُهُ اللَّهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِمْ لِلْمَعِيشَةِ، ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴾، يُرِيدُ مَا يَبْقَى فِي الْغُدْرَانِ وَالْمُسْتَنْقَعَاتِ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي الصَّيْفِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ. وَقِيلَ: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ أَخْرَجْنَا مِنْهَا يَنَابِيعَ، فَمَاءُ الْأَرْضِ كُلُّهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ، حَتَّى تَهْلَكُوا عَطَشًا وَتَهْلَكَ مَوَاشِيكُمْ وَتُخَرَّبَ أَرَاضِيكُمْ.
وانزلنا من السماء ماء مباركا
الثانية: روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك - واللفظ لأشهب - قال مالك: قال الله - تعالى -: وأرسلنا الرياح لواقح فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ، ولا أدري ما ييبس في أكمامه ، ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساد الأخير فيه. ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت ، وليس ذلك بأن تورد. قال ابن العربي: إنما عول مالك في هذا التفسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل ، وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله; لأنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة وهو اللقاح ، وعليه جاء الحديث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحب حتى يشتد. قال ابن عبد البر: الإبار عند أهل العلم في النخل التلقيح ، وهو أن يؤخذ شيء من طلع [ ذكور] النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث. ومعنى ذلك في سائر الثمار طلوع الثمرة من التين وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظورا إليها. والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير ، وفيما لا يذكر أن يثبت ما يثبت ويسقط ما يسقط. وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض; قاله مالك. وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وقد روي عنه أن إباره أن يحبب. ولم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه فأخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله ، أن حكمه حكم ما أبر; لأنه قد جاء عليه وقت الإبار وثمرته ظاهرة بعد تغيبها في الحب.
وانزلنا من السماء ماء طهورا
وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة؟ - وهي بئر يلقى فيها النتن ، ولحوم الكلاب - فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " رواه الشافعي ، وأحمد وصححه ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا معتمر ، سمعت أبي يحدث عن سيار ، عن خالد بن يزيد ، قال: كان عند عبد الملك بن مروان ، فذكروا الماء ، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء ، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرعد والبرق. وأنزلنا من السماء ماء طهورا. فأما ما كان من البحر ، فلا يكون له نبات ، فأما النبات فمما كان من السماء. وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بر ، وفي البحر در.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِمَا أَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَحُجَّة قَاطِعَة عُذْر مَنْ فَكَّرَ فِيهِ { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِمَا أَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَحُجَّة قَاطِعَة عُذْر مَنْ فَكَّرَ فِيهِ' { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يَقُول: لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْل فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ وَيُطِيعُونَ اللَّه بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ. { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يَقُول: لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْل فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ وَيُطِيعُونَ اللَّه بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ. ' تفسير القرطبي قوله تعالى { والله أنزل من السماء} أي السحاب. وانزلنا من السماء ماء طهورا. { ماء فأحيا به الأرض بعد موتها} عاد الكلام إلى تعداد النعم وبيان كمال القدرة. { إن في ذلك لآية} أي دلالة على البعث على وحدانيته؛ إذ علموا أن معبودهم لا يستطيع شيئا، فتكون هذه الدلالة. { لقوم يسمعون} عن الله تعالى بالقلوب لا بالآذان؛ { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46].