﴿ تفسير البغوي ﴾
( من كان يريد العاجلة ( يعني الدنيا أي: الدار العاجلة ، ( عجلنا له فيها ما نشاء ( من البسط والتقتير ( لمن نريد ( أن نفعل به ذلك أو إهلاكه ( ثم جعلنا له ( في الآخرة ( جهنم يصلاها ( يدخل نارها ( مذموما مدحورا ( مطرودا مبعدا. ﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مصير الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة، فقال- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ. والمراد بالعاجلة: دار الدنيا، وهي صفة لموصوف محذوف أى: الدار العاجلة التي ينتهى كل شيء فيها بسرعة وعجلة. أى: من كان يريد بقوله وعمله وسعيه، زينة الدار العاجلة وشهواتها فحسب، دون التفات إلى ثواب الدار الآخرة، عَجَّلْنا لَهُ فِيها أى: عجلنا لذلك الإنسان في هذه الدنيا، ما نَشاءُ تعجيله له من زينتها ومتعها.. وهذا العطاء العاجل المقيد بمشيئتنا ليس لكل الناس، وإنما هو لِمَنْ نُرِيدُ عطاءه منهم، بمقتضى حكمتنا وإرادتنا. فأنت ترى أنه- سبحانه- قد قيد العطاء لمن يريد العاجلة بمشيئته وإرادته. ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: «من كانت العاجلة همه، ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد.
- القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الإسراء - الآية 18
- درجات الدنيا و تفاوت أهل الآخرة - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الإسراء - الآية 18
وأخرج البيهقي في «الشعب» عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى يوم القيامة بناس من الناس إلى الجنة حتى إذا دنوا منها استنشقوا [ ص: 26]
رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من الثواب وما أعددت فيها لأولئك كان أهون ، قال: ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظيم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم من الثواب. وأخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) قال: يؤتون ثواب ما عملوا في الدنيا وليس لهم في الآخرة من شيء وقال: هذه مثل الآية التي في الروم ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله). وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) الآية ، يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته وحاجته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة ليس له فيها حسنة وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة ( وهم فيها لا يبخسون) أي لا يظلمون.
درجات الدنيا و تفاوت أهل الآخرة - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
تفسير و معنى الآية 18 من سورة الإسراء عدة تفاسير - سورة الإسراء: عدد الآيات 111 - - الصفحة 284 - الجزء 15. ﴿ التفسير الميسر ﴾
من كان طلبه الدنيا العاجلة، وسعى لها وحدها، ولم يصدِّق بالآخرة، ولم يعمل لها، عجَّل الله له فيها ما يشاؤه اللّه ويريده مما كتبه له في اللوح المحفوظ، ثم يجعل الله له في الآخرة جهنم، يدخلها ملومًا مطرودًا من رحمته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا وسعيه لها دون الآخرة. ﴿ تفسير الجلالين ﴾
«من كان يريد» بعمله «العاجلة» أي الدنيا «عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد» التعجيل له بدل من له بإعادة الجار «ثم جعلنا له» في الآخرة «جهنم يصلاها» يدخلها «مذموما» ملوما «مدحورا» مطرودا عن الرحمة. ﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى أن مَنْ كَانَ يُرِيدُ الدنيا العاجلة المنقضية الزائلة فعمل لها وسعى، ونسي المبتدأ أو المنتهى أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده مما كتب [الله] له في اللوح المحفوظ ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له. ثم يجعل له في الآخرة جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا أي: يباشر عذابها مَذْمُومًا مَدْحُورًا أي: في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه، والبعد عن رحمة الله فيجمع له بين العذاب والفضيحة.
وبذلك يكون حال الإنسان المتميز في النعم التي يغدقها الله عليه، كحال الأرض المتميّزة بالخصب، والشجرة الحافلة بالشهيّ من الثمر. ولو أنّ الله أعطى الناس ما يستحقونه، لاختل نظام الحياة التي لا يمكن أن تجتمع حاجاتها وخصوصياتها في موقعٍ واحدٍ أو في مواقع محدودة، لأن المطلق لا يمكن أن يتحقق في المحدود. وخلاصة الفكرة، أن التفاضل في درجات الحياة لا يعني إعطاء الامتيازات لأفرادٍ معينين أو جماعاتٍ معينةٍ، بل يعني توزيع الخصائص تبعاً لحاجات الحياة، فهي تابعة لحاجة الواقع، لا لقيمة الذات. وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة التي تعلل التفاضل في الدرجات في بعض مواقعه بقوله تعالى: {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32]. الآخرة أكبر درجات
{وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} لأنها تتميز عن الدنيا بالأجواء الواسعة الممتدّة بما يشبه المطلق الذي جاء في بعض الحديث عن ملامحه في القرآن {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وفي الحديث المأثور عن الجنة أن فيها «بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»[1]... إنها الموقع الإلهي الذي يتجلى فيه تكريم الله للإنسان المؤمن العامل، جزاءً على إخلاصه في إيمانه وعمله، عندما ينفذ الله وعده للمؤمنين الصالحين بالثواب العظيم.