وأوضح عفيفي، أن المقصود بكلمة (رابطوا) في قول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، أي الحراسة في سبيل الله عز وجل، وهي أمٌر واجٌب ينبغي أن نقوم بها لنحافظ على البلاد والعباد، مؤكدًا أن الحراسة في سبيل الله عز وجل لها فضل عظيم عند الله رب العالمين، مستشهدًا بما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، حينما بين أن الحراسة تفضل ليلة القدر، عن ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة الكرام فقال لهم ألا أدلكم على ليلة هي خير من ليلة القدر قالوا بلى يا رسول الله.. قال الحراسة في سبيل الله. وقال صلى الله عليه وسلم حارس حرس في أرض خوف لعله يرجع إلى أهله، قال العلماء حارس حرس في أرض خوف يعنى يخاف على نفسه وعلى حياته أيضًا. وقال عفيفي، إن من فضل الحراسة في سبيل الله أنها تفضل الدنيا كلها مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: رباط في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما عليها، مضيفًا: وأيضًا من فضل الحراسة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تبعد الإنسان عن النار فقد قال صلى الله عليه وسلم عينان لا تمسهم النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.. فمن بات يحرس في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله عز وجل فإن الله تعالى حرمه على النار وأبعده عن النار.
عين بكت من خشية الله
فهذا الصديق الأكبر لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم الوجع وأذن للصلاة قال: « مروا أبا بكر فليصل بالناس ». فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف رقيق القلب لا يملك دمعه إذا قام يصلي لم يسمع الناس من شدة بكائه. فقال: « مروا أبا بكر فليصل بالناس ». فأعادت. فقال: « إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس ». وكان أبو بكر يقول: "ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا، تكلفوا ذلك فإن في ذلك النجاة لكم". وهذا الذي قاله أبو بكر هو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كما روى ذلك ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص بسند جيد: « اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ». وليس معنى ذلك أن يظهر الإنسان البكاء رئاء الناس ليحسبوه خاشعًا وليس هو كذلك، وإنما المراد حث النفس وتعويدها على البكاء حتى يصير عادة وسجية لها، وكما جاء في الحديث: « إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم » (صحيح الجامع:2328). فكذلك إنما البكاء بالتباكي والتباكي يستجر البكاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: « عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله » (رواه الترمذي بسند حسن عن ابن عباس). وقال: « لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع » (رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة).
عين بكت من خشية الله – مجموعة الدروس العلمية
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني ، وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عند أبي يعلى: ( عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا: عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ الله، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله). التوجيه النبوي في الحديث
لا شك أن الهرب من النار والنجاة منها مطلبٌ لكل مؤمن بالله واليوم الآخر، وهمٌّ يؤرِّق مضجع عباد الله الصالحين، وفوق ذلك: هو الفوز يوم القيامة { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (آل عمران: 185)، ولذا يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث - إلى سببين للنجاة من النار، هما: البكاء من خشية الله، والحراسة في سبيل الله، وسنتعرض لبيان كل منهما. الأول: ( عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله):
البكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة، والعين التي تذرف الدمع من خشية الله لن تمسها النار؛ لأن العين تتبع القلب، فإذا رقّ القلب دمعت العين، وإذا قسى القلب قحطت العين، قال الإمام ابن القيّم في "بدائع الفوائد": "ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي".
وعين بكت من خشية الله - طريق الإسلام
وقال أبو معاوية الأسود لأحمد بن سهل: "يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما". يا طالبَ العلمِ ها هنا وهنا *** ومعدنُ العلمِ بين جَنبيك إنْ كنتَ تبغي جِنانَ الخلدِ تعمرها *** فأسبل الدمعَ على خَديك وقُم إذا قامَ كُلّ مجتهدٍ *** وادعُ لكيما يُقال لبيك وقال الألبيري رحمه الله ناصحًا ولده: ولا تضحك مع السفهاءِ يومًا *** فإنّك سوف تبكي إنْ ضحكت! ومَن لك بالسرورِ وأنتَ رهنٌ؟ *** وما تدري أتُفدى؟ أم غُلِلت؟! ولو بكت الدّما عيناك خوفًا! *** لذنبك لم أقل لك قد أمِنت! ومَن لكَ بالأمان وأنتَ عبدٌ *** أُمِرتَ فما ائتمرتَ ولا أطَعت! اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وعين لا تدمع... آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين. سعد بن سعيد آل ماطر
مدير عام المراكز الثقافية بالأوقاف: الحراسة على الثغور والحدود والدفاع عن الوطن في سبيل الله توجب الجنة ومنحة من عطايا الله
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع، فيقول: ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) رواه مسلم. وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته فقال في محكم التنزيل: { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم: 58)، روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية، فسجد، وقال: هذا السجود، فأين البكي؟ يريد البكاء. و(البكي) جمع باك. كما أن البكاء من خشية الله تعالى سبب للرحمة يوم العرض على الله جل وعلا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم: ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) رواه البخاري و مسلم.
قلت: والله إني أحب قُربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي، حتى بل حِجرهُ! قالت: وكان جالسًا فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته! قالت: ثم بكى حتى بل الأرض! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: « أفلا أكون عبدًا شكورا؟! لقد أنزلت علي الليلة آية، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... } الآية كلها» (رواه ابن حبان وغيره). وهكذا كان أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كما أخبر عنهم سبحانه في مريم بقوله: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58]. فالبكاء سنة عظيمة وعادة لصالحي المؤمنين قديمة، ورثها أصحاب الرسل عنهم، كما ورثها أصحاب نبينا عن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم.. وقد خطبهم يوما فقال: « عُرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا » قال أنس: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه! قال:غطوا رؤوسهم ولهم خَنِينٌ (رواه البخاري ومسلم).