وبذلك تكون هذه الطائفة مقتضية لكشف ما هو أوسع من الطائفة الأولى. وأما الطائفة الثالثة: فمفادها التفصيل بين الحرة والأمة، فالقواعد من الأحرار لا يصح لهن وضع غير الجلباب، وأما القواعد من الإماء فيصح لهن وضع الخمار بالإضافة إلى الجلباب. فقد ورد في رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن القواعد من النساء، ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن فقال الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها. وهذه الرواية لو تم سندها لكانت شاهد جمع بين الطائفتين الأولى والثانية إلا أن سندها غير معتبر نظراً لاشتمالها على محمد بن الفضيل وهو مشترك بين الثقة والضعيف كما أفاد ذلك السيد الخوئي (رحمه الله). ومن هنا كان لابد من معالجة ما يبدو من تعارض بين الطائفتين الأولى والثانية. والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا | تفسير سورة النور. فنقول انه لو عرضت هذه الروايتان على العرف لجمع بينها بهذا الجمع وهو أنه يجوز للقواعد أن يضعن عن جسدهن الجلباب والخمار وإن كان يحسن منهن عدم وضع غير الجلباب. وتقريب هذا الجمع أن الطائفة الثانية صريحة في جواز وضع الخمار بالإضافة إلى الجلباب، وأما الطائفة الأولى فهي على أحسن تقدير ظاهرة في اختصاص الجواز بوضع بالجلباب، وعندما يتعارض الكلام الصريح مع الظاهر فإن الجمع العرفي يقتضي تقديهم الصريح على الظاهر.
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النور - قوله تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا - الجزء رقم12
والمتحصَّل مما ذكرناه أنه يجوز للقواعد من النساء أن يضعن عن جسدهن الجلباب والخمار، وذلك يقتضي جواز كشف الشعر والذراع والعنق وشيء من الصدر، ولا يصح لهن كشف مادون ذلك. كالبطن والأرداف والظهر ونحو ذلك مما أعتيد ستره
نعم لا يصحُّ للقواعد أن يكشفن ذلك إذا كنَّ مشتملات على الزينة كالحلي والأصباغ بل لا يصح لهن كشف الثياب المزينة أي المشتملة على الزينة أو الثياب ذات الألوان الزاهية التي تتخذ عادة للزينة أو يرى العرف أنها من الزينة وهذا هو معنى قوله تعالى ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ ورغم أن وضع الجلباب والخمار جائز للقواعد من النساء إلا أن الأولى بهن التعفُّف عن ذلك كما هو مقتضى قوله تعالى: ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. والحمد الله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 /ربيع الأول /1426هـ
موقع هدى القرآن الإلكتروني
تبرج (إسلام)
فنقول إنَّه لو عُرضت هاتان الروايتان على العُرف لجمع بينهما بهذا الجمع وهو أنَّه يجوز للقواعد أنْ يضعن عن جسدهنَّ الجلباب والخمار وإنْ كان يحسن منهنَّ عدم وضعِ غير الجلباب. 29
والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا | تفسير سورة النور
وهي وإنْ اختلفت في مقدار ما يصحُّ كشفُه إلا أنَّها تشترك في إفادة عدم جواز وضع جميع الثياب، وعليه فهذه الروايات إمَّا أنْ تكون مقيِّدة للإطلاق المدَّعى أو أنَّها مفسِّرة لِما هو مجمل في الآية المباركة ومبيِّنة لِما يصحُّ وضعُه عن الجسد من الثياب. فالرواياتُ على طوائف ثلاث:
أما الطائفة الأولى: فمفادُها أنَّ الذي يصحُ وضعُه للقواعد هو الجلباب أي الإزار وهو الرداء الذي تلبسُه المرأة فوق ثيابها، فهي تتجلبب به فيشتمل على معظم جسدها، وقيل إنَّ الجلباب كالمقنعة يغطِّي من المرأة رأسها وظهرها وصدرها ومن روايات هذه الطائفة صحيحةُ محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في قوله عزَّ وجل: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ ما الذي يصلحُ لهنَّ أنْ يضعن من ثيابِهن قال (ع): الجلباب"(1). وأمّا الطائفة الثانية: فمفادُها أنَّ الذي يصحُّ وضعُه للقواعد هو الخمار بالإضافة إلى الجلباب، والمرادُ من الخمار هو ما تغطِّي به المرأةُ رأسَها. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النور - قوله تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا - الجزء رقم12. ومن روايات هذه الطائفة صحيحةُ حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع): "إنَّه قرأ يضعن من ثيابهن، قال (ع): الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مُسنَّة"(2). ومعنى ذلك أنه يصحُّ للمرأة المُسنَّة أنْ تكشف عن تمام شعرها بالإضافة إلى ذراعها وعنقها وشيءٍ من صدرها مما يلي العنق، وهذا بخلاف الطائفة الأولى والتي تقتضي عدم جواز كشف أكثر من الذراع والعنق وشيءٍ من الصدر، ذلك لأن الجلباب يُلبس فوق الثياب والخمار فإذا وضعته لم ينكشف أكثر من الذراع والعنق وشيء من الصدر.
سماحة الشيخ محمّد صنقور
﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء﴾
المسألة:
﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (1). ما هو المرادُ من القواعد؟ وما هو المقدارُ الذي يجوز لهنَّ كشفُه؟
الجواب:
الآيةُ المباركُة أوضحت المراد من القواعد حيثُ أفادت أنَّهنَّ اللاَّتي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا، ومعنى ذلك هو أنَّ المرأة تكون من القواعد إذا بلغت مرحلة من العمر لا تكون معه راغبةً في الزواج، وذلك لا يتَّفق غالباً إلا في سنِّ الشيخوخة، أي عندما يتقادمُ العمرُ بالمرأة فتُصبح مسنَّة. فليس المراد من القواعد هو مُطلق النساء اللاّتي لا يرجونَ نكاحاً حتى لو كان لسببٍ غير تقادم العمر بل المرادُ من القواعد هو المُسنَّات من النساء، ووصفهن باللاتي لا يرجون نكاحاً نشأ عن أنَّ عدم الرغبةِ في النكاح غالباً ما تكون بسببِ تقادم العمر. فالمٌصحِّح لاستظهار إرادة النساء المسنّات من لفظ القواعد هو الملازمة العاديَّة بين التقدُّم في العمر وعدم الرغبة في النكاح، فالآيةُ المباركة استعانت بهذه الملازمة في تفسير معنى القواعد.
رواه الترمذي، وابن ماجه، وغيرهما، واللفظ لابن ماجه. مركز الفتوى تابع قائلًا: ولكن هذا الوعيد لا يلزم أن يتحقق، فقد يتجاوز الله عن العبد، ويتفضّل عليه، فلا يعاقبه بما توعده به، وهذه صفة كمال لله تعالى، وقد بينا هذا بما يغني عن الإعادة هنا،فاجتهد في المحافظة على التوبة، واحذر العودة إلى شرب الخمر -وقانا الله وإياك الشر كله-. وفي فتوى سابقة أوضح المركز أن المراد بعدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين صباحا هو أنه لا يثاب على صلواته ثواب أهل الرضا والإكرام، لا نفي مطلق الثواب. ومن القواعد الجليلة في باب الوعيد: أن العقوبة لا يلزم أن تصيب كل من وقع في الذنب المتوعد عليه، بل الوعيد قد يتخلف لمانع -كحسنات ماحية، أو عفو الله عن المذنب بمحض فضله، أو غير ذلك-. فنصوص الوعيد على المحرمات، مقصودها بيان تحريم الفعل الذي رُتب عليه الوعيد، لا أن كل من فعل ذلك المحرم، سيقع عليه الوعيد. هل تقبل صلاة شارب الخمر حرام. فلا ريب في أن هذا الوعيد لا ينفي عن شارب الخمر التعبد لله بالرجاء، فهو يعبد الله، ويرجو منه أن يعافيه من عقوبة شرب الخمر؛ سواء عدم قبول الصلاة أربعين يوما، أو غيره من أنواع الوعيد، ويرجو أن يعصمه الله من شرب الخمر، ويتوب عليه منه، كما يعبد الله، ويرجو منه أن يثيبه، ويتفضل عليه بالرضا والإكرام.
هل تقبل صلاة شارب الخمر النفسية
بقلم |
خالد يونس |
الاثنين 14 فبراير 2022 - 08:51 م
كنت أشرب الخمر، لكني كنت أصلي في جماعة، وقد تبت منها الآن -والحمد لله-، فهل الصلوات التي كنت أصليها مقبولة؟ الجواب: قال مركز الفتوى بإسلام ويب: إننا أولًا نحمد الله تعالى على توبتك، ونسأله جل في علاه أن يوفّقك لتحقيقها، كما يحب ويرضى، وأن يتقبلها منك. وقد بينا سابقًا أن التوبة النصوح يبدل الله سيئات صاحبها حسنات.
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لا شَكَّ بأنَّ شُربَ الخَمرِ كبيرةٌ من الكَبائِرِ يَجِبُ اجتِنابُها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون﴾. وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ».