كذلك وقد أسهب في وصف اليمن، واحتل هذا المِصر الجزء الأكبر من كتابه، حتى خُيل لكاتب هذه السطور بأن عنوان الكتاب: «صفة جزيرة العرب بالنسبة لبلاد اليمن!! »؛ إذ إنه أخذ في وصف الكثير من أجزاء الجزيرة العربية، ويقارنها ببلاد اليمن، ولا يُلام في ذلك؛ لأن الإنسان ابن بيئته، ولكن لو قُدِّر للهمداني أن يخصص لبلاد اليمن كتاباً وصفياً خاصاً بها، وبباقي أقاليم الجزيرة العربية كتاباً آخر، لكان فتحاً كبيراً للكثير من الجغرافيين والمؤرخين وغيرهم. والهمداني لم يترك الكثير من بلاد العرب إلا وقد وصفها، ولكن يؤخذ عليه أنه يسهب في منطقة ويترك أخرى، كما في بلاد اليمن الآنف ذكرها، وكذلك في نجد؛ فهو وصفها وصفاً تحليلياً دقيقاً، ولكن لم يعرّض على المناطق الواقعة إلى الشمال من نجد، وكذلك الحجاز، إلا بإشارات وإيماءات بسيطة بالنسبة لغيرها من المناطق. كانت أرجوزة الرادعي خاتمة كتاب «صفة جزيرة العرب» المعرّف به في هذه السطور، وكانت هذه الأرجوزة مكونة من مئة وسبع وعشرين مقطعاً، كل مقطع خمسة أبيات، وتفعيلة البيت: مفاعل مفاعل مفاعل. وبها أختم مقالتي التي حاولت أن أعرف من خلالها بسفر مهم، طالما أفدت منه ، كما آمل أن يفيد منه قارئ هذه السطور.
صفة جزيرة العرب للهمداني
ألقى الأستاذ د. أحمد الزيلعي محاضرة في خميسية حمد الجاسر يوم 4-6-1430هـ عن القاضي إسماعيل الأكوع، ووزِّع في الوقت نفسه كتاب عنه ألفه عبدالرحمن بن عبدالقادر المعلمي، مراجعة وتقديم إبراهيم باحسن عبدالمجيد، طبع 1429هـ، وجاء في 142 صفحة، أبان فيه الشرح الكثير عن المتَرجم له ومؤلفاته ونشاطه وما تعرض له من سجن وتعذيب. ومن المداخلات ما ذكره محمد الأسمري أنه قابل الأكوع في بيروت أو اطلع على كتاب صفة جزيرة العرب لدى الشيخ حمد الجاسر -رحم الله الجميع- بتحقيق الأكوع، ولما سئل الأسمري أي الأكوعين إسماعيل أم محمد؟ لم أسمع إجابته، وقد رجعت لكتاب صفة جزيرة العرب لمؤلفه الحسن الهمداني فوجدت طبعة 1373هـ بمطبعة السعادة بمصر قام بنشره وتصحيحه ومراجعته وتحقيق بقاعه المؤرخ محمد بن عبدالله بن بليهد - رحمه الله - صاحب (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب والآثار) 5 مجلدات، وجاء في 538 صفحة، ثم نشره د. محمد بن سعد بن حسين، صححه وراجعه بما سماها الطبعة الثالثة سنة 1411هـ. ثم طبعه الأستاذ حمد بن محمد الجاسر - رحمه الله - سنة 1394هـ تحقيق محمد بن علي الأكوع، أشرف على طبعه حمد الجاسر وجاء في 583 صفحة.
هدفنا سهولة الحصول على الكتب لمن لديه هواية القراءة. لذا فنحن نقوم بنشر اماكن تواجد الكتب إذا كانت مكتبات ورقية او الكترونية
ونؤمن بان كل حقوق المؤلفين ودار النشر محفوظة لهم. لذلك فنحن لا نقوم برفع الملفات لكننا ننشر فقط اماكن تواجدها ورقية او الكترونية
إذا اردت ان يتم حذف بيانات كتابك من الموقع او اى بيانات عنه، رجاءا اتصل بنا فورا
إذا اردت ان تقوم بنشر بيانات كتابك او اماكن تواجده رجاءا رفع كتاب
احذر أيها التلميذ أن تتعرض لأساتذتك. واحذر أيها المصلي أن تتعرض لإمام مسجدك. واحذر أيها المسلم أن تتعرض لعلماء بلدك، واحذر أن تتعرض لولاة أمرك، فهذا منكر عظيم وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وأقوام من الناس غلبتهم ألسنتهم فصاروا يقعون في أعراض الناس، وما علم هؤلاء أنهم سيُوقَفون بين يدي الله، ويُسألون عن كل كلمة قالوها وصدق الله العظيم: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]. وقال ربنا -جلا وعلا-: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) [الزلزلة: 7, 8]. فيا أيها الأخ الكريم: احرص على أن تضبط لسانك فلا تقول به إلا خيرًا، ليشهد عليك يوم العرض على الله، يوم أن يختم على الأفواه، ويقال للجوارح انطقي، فتنطق العين بما نظرت، والأذن بما استمعت، واللسان بما تكلم، والفرج بما فعل، والبطن بما أكل، ويوم ذاك يُسر المؤمنون الصادقون يُسَرّ الذين حفظوا جوارحهم. ولا تحاسدوا ولا يغتب بعضكم بعضا - ملتقى الخطباء. وأما أولئك الذين أطلقوا لألسنتهم العنان فتكلموا في الناس، فأولئك الويل لهم؛ لأنهم وقعوا في أعراض الآخرين، فسيؤخذ من حسناتهم لهم يوم القصاص بين الخلائق يوم أن تجتمع الخصوم، ويقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا
ولما سمعت الخطبة تذكرت هذه الرؤيا وبعدها والله يا ولدي ما تكلمت في عرض مخلوق إلى اليوم، لكن خشيت أنك تقصدني في الخطبة، فقلت له: لا والله، ولكن أحمد الله واشكره أن الخطبة لامست شغاف قلبك أنت وغيرك ممن حضروا، أسأل الله -جلا وعلا- أن يحفظ ألسنتنا وأبصارنا وأسماعنا وبطوننا وفروجنا من الحرام كما أسأله سبحانه أن يتم علينا الأمن والأمان، هذا واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب
إن الغيبة خلق ذميم، لا يتصف به الرجال، وإنما يتصف به أشباه الرجال الجبناء من ذوي الوجهين الذين يغتابون إخوانهم وأصدقاءهم أمام الناس، فإذا لقوهم هشّوا لهم وبشّوا، وتظاهروا بالصداقة والود. ومن هنا كان المسلم الحق أبعد الناس عن الغيبة والتلون بلونين، لأن الإسلام علمه الرجولة، ولقّنه الاستقامة، وحبّب إليه التقوى في القول والعمل، وكرّه إليه النفاق والتلون والتذبذب؛ بل نفره من هذه الخصال تنفيراً، حين جعل ذا الوجهين من شرار الناس عند الله، وذلك في قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، رواه البخاري ومسلم. ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب. إن المسلم الحق له وجه واحد لا وجهان، وجه أغر أبلج مشرق واضح لا يلقى به قوماً دون قوم؛ بل يلقى به الناس جميعاً، لأنه يعلم أن اتخاذ الوجهين هو النفاق بعينه، والإسلام والنفاق لا يجتمعان، وأن ذا الوجهين منافق، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. المسلم الحق يقف من الغيبة موقفاً جاداً، فلا يتورط بالوقوع في شكل من أشكالها، ولا يسمح لأحد أن يغتاب في مجلسه؛ بل يذب عن إخوانه ألسنة البغي والعدوان، ويدفع عنهم قالة السوء، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من ذبّ عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار، رواه أحمد.
ولا تجسسو ولا يغتب بعضكم بعضا
حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت العلاء يحدث ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " هل تدرون ما الغيبة؟ قال: قالوا الله ورسوله أعلم; قال: ذكرك أخاك بما ليس فيه ، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول له; قال: إن كان فيه ما تقول [ ص: 306] فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ". حدثنا ابن المثنى قال: ثنا سعيد بن الربيع قال: ثنا شعبة ، عن العباس ، عن رجل سمع ابن عمر يقول: " إذا ذكرت الرجل بما فيه ، فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته ". وقال شعبة مرة أخرى: " وإذا ذكرته بما ليس فيه ، فهي فرية قال أبو موسى: هو عباس الجريري. حدثنا ابن المثنى قال: ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال: إذا ذكرت الرجل بأسوإ ما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال: إذا قلت في الرجل ما ليس فيه فقد بهته. ولا يغتب بعضكم بعضا. حدثنا أبو كريب قال: ثنا عمر بن عبيد ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال الغيبة: أن يقول للرجل أسوأ ما يعلم فيه ، والبهتان: أن يقول ما ليس فيه.
قوله - عز وجل -: ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) قال مجاهد: لما قيل لهم " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا " قالوا: لا ، قيل: ( فكرهتموه) أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا. ولا تجسسو ولا يغتب بعضكم بعضا. قال الزجاج: تأويله: إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك ، وهو ميت لا يحس بذلك. أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا الفريابي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثني صفوان بن عمرو ، حدثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " [ ص: 347]. قال ميمون بن سياه: بينا أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول: كل ، قلت: يا عبد الله ولم آكل ؟ قال: بما اغتبت عبد فلان ، فقلت: والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا ، قال: لكنك استمعت ورضيت به ، فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا. ( واتقوا الله إن الله تواب رحيم).