الزهد لابن المبارك (١٧١): أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن ضمرة بن حبيب، عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله عز وجل». مسند البزار (٣٤٨٩): وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: نا عبد الرحمن بن مهدي، قال: نا عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن شداد بن أوس، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» ، وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلا عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم له طريقا غير هذا الطريق. مسند الشهاب (١٨٥): أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر الصفار، ثنا أحمد بن بهزاذ بن مهران، ثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن المبارك، ح وأخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني، ثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان ببغداد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عباس بن الوليد النرسي ومحمد بن بكار، قالا: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله تعالى».
حديث «الكيس من دان نفسه..» - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت
شداد بن أوس
الصّحابيّ الجليل شدّاد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري "58هـ-677م"، أبو يعلى، أحد سادات الصّحابة الكرام وفضلائهم، رضي الله عنهم أجمعين، ولّي على حمص في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه، ولما وقعت الفتنة بمقتل عثمان بن عفان –رضي الله عنه- تخلّى عن الولاية واعتزلها واعتكف على العبادة، كان يتّصف بالفصاحة والعلم والحلم والحكمة والزّهد، قال عنه أبو الدّرداء ، رضي الله عنه: "لكل أمّة فقيه، وفقيه هذه الأمّة شدّاد بن أوس. [١]
وهو ابن أخ شاعر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حسّان بن ثابت الأنصاري، وقد شهد أبوه مع النّبيّ غزوتي بدر وأحد واستشهد في أحد وقد قال خالد بن معدان بأنّ شدّد بن أوس وعبادة بن الصّامت من أوثق وأفقه وأرضى أهل الشام، عاش شدّاد ابن أوس -رضي الله عنه- حوالي خمس وتسعين سنة، وتوفّي في فلسطين سنة 58هـ ودفن في بيت المقدس، وهو راوي الحديث والذي هو محور هذا المقال: الكيس من دان نفسه.
الكيس من دان نفسه ..
[ ص: 257] كتاب ذم الغرور
إن مفتاح السعادة التيقظ والفطنة ، ومنبع الشقاوة الغرور والغفلة ، والمغرور هو الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا ، وبقي في العمى فاتخذ الهوى قائدا والشيطان دليلا ، ولما كان الغرور أم الشقاوات ومنبع الهلكات لزم شرح مداخله ومجاريه ، وتفصيل ما يكثر وقوع الغرور فيه ليحذره المريد بعد معرفته فيتقيه ، فالموفق من العباد من عرف مداخل الآفات والفساد فأخذ منها حذره ، وبنى على الحزم والبصيرة أمره. بيان ذم الغرور وحقيقته:
اعلم أن قوله تعالى: ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) [ لقمان: 33 وفاطر: 5] وقوله تعالى: ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني) [ الحديد: 14] الآية ، كاف في ذم الغرور. شرح حديث: الكيس من دان نفسه. وقال صلى الله عليه وسلم: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ". فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان ، فمن اعتقد أنه على خير إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور ، وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه ، فأكثر الناس إذن مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم.
شرح حديث: الكيس من دان نفسه
وفي غياب إدانتهم لنفوسهم لغياب كياستهم، وقد أسرهم العجز بمطاوعتها في أهوائها، يتمنون على الله عز وجل الأماني غافلين عن قوله تعالى: (( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنّى فلله الآخرة والأولى)). وبسبب فصلهم سعيهم في الدنيا عن تبعاته في الآخرة، يقعون كثيرا فيما نهى الله عز وجل عنه ، وهم يخوضون بذلك في حياتهم الدنيا مغامرة وخيمة العواقب حذرهم منها الله عز وجل ولا يأخذونها على محمل الجد. وعلى كل مؤمن أن يستفيق من غفلته عن الكياسة بإدانة النفس، وذلك بحملها على العمل في الدنيا لما بعد الموت مع تنكب إتباعها هواها والتمني على الله عز وجل. الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. اللهم إنا نسألك فضلا منك أن تلهمنا كياسة تعيننا بها على إدانة النفس بالعمل لما بعد الموت ، ونعوذ بك من عجز يجعلنا عرضة لهوى النفس ، وتمني الأماني عليك دون سعي يبلغنا ما نتمناه. اللهم استر العيب ، واغفر الذنب ، واصفح ، وتجاوز عنا عجزنا ، وارحمنا بواسع رحمتك يوم غضبك الذي لم تغضبه من قبل، وجنبنا سخطك ، وقنا عذاب النار ، وأدخلنا جنتك جودا منك ومنة، وليس لنا من زاد نعول عليه إلا شهادة توحيد نرددها صادقين، نشهد فيها أنك الله الذي لا إله غيرك ،وأن محمدا عبدك ورسولك قد بلغ عنك الرسالة وأحسن التبليغ ، اللهم لا تجعلنا سواء مع من لا يشهدون لك سبحانه بالوحدانية ، ولا يشهدون لرسولك عليه الصلاة والسلام بالرسالة.
خطبة الجمعة في جامع أسامة بتاريخ: 30/5/2014
لفضيلة الشيخ محفوظ ولد ابراهيم فال، وقد جاء فيها بعد الافتتاح وتلاوة ما تيسر من كتاب الله:
• التحذير من طول الامل ،وأن على المسلم ان يجعل لقاء الله منه على بالٍ فذلك أدعي إلى التوبة وأداء الفرائض ،ونصرة الدين. • التحذير من الغرور بالدنيا فإنه من مساوئ الاخلاق. • فمن كان صادقا مع نفسه عاش في هذه الدنيا بمقتضي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"
• البقاء السرمدي ما يؤول إليه المصير من الجنة أو النار. • يعيش المسلم في الدنيا وعينه ناظرة إلى النار مخافة منها، وإلى الجنة رغبة فيها ،ينتظر رسل ربه في كل حين. (الآيات في ذلك)
• من تبعات طول الامل:
• ان يَضِنّ الانسان بنفسه عن نصرة الدين ويثَّاقل إلى الارض مؤثرا الحياة الفانية واللذة المنقطعة على مرضاة الله. • وهو يورث محبة الدنيا ومحبة الدنيا تمنع محبة الله اذ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ازهد في الدنيا يُحبّك الله"
• وهو مفسد للعمل لا محالة ودافع الى قلة العمل الصالح ومن ترك المسارعة الى الخيرات ورد إلى الاخرة مفلسا:"من كان يُريد حرثَ الآخرة نَزِدْ له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نُؤته منها وما له في الاخرة من نّصيب "
• وهو مُؤدٍّ إلى عمي البصيرة والغفلة عن الله تعالى.
وأشد الغرور: غرور الكفار وغرور العصاة والفساق; فأما غرور الكفار فقد أشير إليه في قوله تعالى: ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) [ البقرة: 86]. وعلاج هذا الغرور: إما التصديق بالإيمان ، وإما بالبرهان. أما التصديق بمجرد الإيمان فهو أن يصدق الله تعالى في قوله: ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق) [ النحل: 96]. وفي قوله عز وجل: ( وما عند الله خير) [ آل عمران: 198]. وقوله ( والآخرة خير وأبقى) [ الأعلى: 17] وقوله: ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا) [ لقمان: 33 ، وفاطر: 5]. وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك طوائف من الكفار فصدقوه وآمنوا به ولم يطالبوه. [ ص: 258] بالبرهان ومنهم من قال: " نشدتك الله أبعثك الله رسولا " ؟ فكان يقول: " نعم " ، فيصدق ، هذا إيمان العامة ، وهو يخرج من الغرور.