عن شبهة: لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا؟ – الجزء الأول(سؤال يبحث عن جدواه)بقلم: الغازي محمد يكثر عند تقرير الغاية التي أوجد الله من أجلها الخلق، كما قرّرها في كتابه: "وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون"، مع تقرير أن الله لا تنفعه عبادة واحد من الناس ولا تضره معصيته أو كفره أن يعترض قائل: وما الحكمة إذًا من أن يخلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا ولا إلى عبادتنا؟. وهو سؤال نحاول معالجته فيما يلي. — فخّ الافتراضات المبطنة: كل سؤال، أيًا كان محتواه، يحتوي على افتراضات مبطنة، وله بنية فيها مقدمّات غير منطوقة يمكننا الكشف عنها، فهذا السؤال مثلًا يمكن تفكيك مقدّماته إلى المقدمات التالية: 1- فعل الإنسان وطلبه مردهما إلى سد الحاجة (مسكوت عنها)2- وإذًا كل فعل وطلب مردهما إلى الحاجة. 3- فإن كان الله: يفعل (خلقنا) أو يطلب (منّا العبادة). 4- إذًا: فهذا لا بد أنه نابع من حاجة. 5- نتيجة ذلك إذًا: هي أن الله إما أنه خلقنا "لحاجة" /أو أنه خلقنا "عبثًا" أو بلا هدف إذا لم توجد حاجة. لماذا خلقنا الله - cafe 2100. دعني إذًا أفاجئك أن هذه المقدمات غير صحيحة، بدءًا من الأولى! ، فمن ذا الذي يظّن أن رجلًا يطعم عصفورًا لأنه يحتاج إلى ذلك؟، ومن ذا الذي يظّن أن فنانًا يرسم لوحة لأنه "يحتاج" إلى ذلك، لا يتطوّع أحدنا بإنقاذ شخص في موقف خطر لأنه "يحتاج" إلى ذلك، لا يطلب الطبيب من المريض أن يفتح فمه لأنه "يحتاج" إلى ذلك، إن مفهوم "الحاجة" مفهوم ضيّق جدًا لتفسّر به سلوكيات البشر نفسها، صحيح هناك "أسباب" متعددة لهذه الأفعال، لكنها في الأساس ليست "الحاجة" وحدها التي تفسّرها.
عن شبهة: لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا؟ - التنسيقية العالمية لمعالجة الالحاد
ولقد علّمنا القرآن على لسان عبده ونبيّه عيسى عليه السلام كيف نقف في المعرفة الدينية عند ما عرّفنا الله به، ولا نحاول الولوج إلى ما في نفسه سبحانه من معرفة لم يُطْلعنا عليها، قال سبحانه على لسان عيسى عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}. فنحن لا نعلم من الله عز وجل إلا ما أعلمَنا به في كتابه وعلى ألسنة رسله، وما دام لم يُعلمنا بسبب خلقه للخلق، إلا في حدود ما نحتاجه؛ كالحديث عن الغاية وهي إفراده بالعبادة، أو ذكر الابتلاء والاختبار والاختلاف.. ما دام لم يُعلمنا بأكثر من ذلك في هذا الشأن فلا مجال لنعلم ما نفسه سبحانه مما لم يُطلعنا عليه. عن شبهة: لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا؟ - التنسيقية العالمية لمعالجة الالحاد. إنّ التفكير العقلي يقود أي إنسان إلى الإقرار بعجزه عن إيجاد إجابة عن هذا السؤال؛ ذلك أنّ العقل لا يمكنه العمل إلا في إطار من الزمان والمكان، وفيما بين أيدينا من مُعطيات زمانية مكانية لا نجد إجابة عن هذا السؤال، فهو متعلّق بالله سبحانه، والله سبحانه لا يحدّه الزمان والمكان اللذان نعيش فيهما في هذه الدنيا. إنّ العقل – بِبُنيته المادية – عاجز عن اختراق حدود المادّة، ومهما حاول التفكير في شيء خارج الزمان والمكان، سواء كان علم الله الغائب عنا، أو ما قبل الخليقة، أو ما وراء الكون المادي.. فسوف يصل إلى مرحلة انسداد!
لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا - إسألنا
ومن المراجع في هذا الباب كتاب ((لماذا يطلب الله من البشر عبادته)) للدكتور سامي عامري من إصدار مركز تكوين.
لماذا خلقنا الله - Cafe 2100
وما زلتُ أذكر المرحلة الإعدادية والثانوية حين كنت أفكر بالله وبداية العالَم.. كنتُ في مرحلة تشغلني فيها أسئلةُ الوجود الكبرى: ما الله؟ هل كان قبله شيء؟ ما الذي كان قبل العالَم؟ ومثل هذه الأسئلة التي كنت أصل فيها دائمًا إلى نقطة انسداد.. وتحديدًا حين كنت أطرح سؤال "اللاوجود"، أي حين كنت أحاول تخيُّلَ الحالة التي لا يكون فيها وجودٌ لشيء إطلاقًا..
لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا - إسألنا. لم أكن قادرا على تصوّر هذه الحالة ولا تصوّر إمكان وجودها!
ولو ضربنا مثلا من حياة الإنسان – ولله المثل الأعلى – قلنا: هل يحقّ للسيارة أن تسأل صانعها: لماذا لم تخيّرني بين أن تصنعني أو لا تصنعني؟! هذا وهي مجرّد "صناعة" من مواد خام سابقة لم يخلقها الإنسان، فكيف والله سبحانه هو خالق كل شيء، أوجدَ الإنسان والعالَم من العدم؟! قال لي أحدهم يومًا: لا أذكر أنّني سُئلتُ يومًا " ألستُ بربّكم"! يقصد قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ}. قلتُ حينها: إنّ هذه الآية لا تُفهم كتخيير في الإجابة، بل تُفهم كخِطابِ إقامةٍ للحجّة، ولا توجد إجابة أخرى غير الإجابة الحقيقية الواقعية وهي: أنّ الله ربّنا! إنّ الأمر كما لو كنتُ معلّمًا وقلتُ للتلاميذ (ولله المثل الأعلى): "هل ترون المادة المكتوبة على اللوح"؟ ليس من باب التخيير؛ فليس بإمكان أحدٍ من التلاميذ إنكار وجودها على اللوح، ولكن من باب إقامة الحجّة، وحتى لا ينكر أحدهم ذلك يومًا ويقول: لم أرَ شيئا. وقد وضع الله سبحانه في فطرة الإنسان ما يعرف به ربّه، هذه الفطرة التي إنْ خرجت عن أهوائها وتفكرتْ في نفسها وفي الكون أقرّت بربّها الواحد الأحد وأنّه وحده المستحقّ للعبادة.