وروى أبو مخنف:أن يزيد بن سفيان الثغري قال: أما والله لو رأيت الحر حين خرج لأتبعته السنان، قال: فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدماً ويتمثل ويقول: ما زلت أرميهم بثغرة نحره***ولبانه حتى تسربل بالدم وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وإن دماءه لتسيل فقال الحصين بن نمير التميمي ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله. الحر بن يزيد الرياحي الضمير الحي والإرادة الحرةوكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا. قال: نعم، وخرج إليه فقال له: هل لك يا حر في المبارزة؟ قال: نعم قد شئت، فبرز له. قال الحصين التميمي: وكنت أنظر إليه فوالله لكأن نفسه كانت في يد الحر، خرج إليه فما لبث أن قتله. وروى أبو مخنف عن أيوب بن مشرح الخيواني أنه كان يقول: جال الحر على فرسه فرميته بسهم فحشاته فرسه، فما لبث أن رعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر كأنه ليث، والسيف في يده وهو يقول: أشجع من ذي لبد هزبر أن تعقروا بي فأنا الحر فما رأيت أحداً يفري فريه، فأخذ يقاتل راجلاً وهو يقول: ولـــــن أصــــــاب اليوم إلا مقبلا لا نــــــــاكلاً فيــــــهم ولا مــهللا آليت لا أقتل حــــتى أقــــــــتلا أضربهم بالسف ضرباً مفصلا (إبصار العين: 145). قال الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله): وبقي الحر يدير رحى الحرب وحده، ويحصد الرؤوس، ويخمد النفوس، حتى قتل في حملته الأخيرة ثمانين فارساً من أبطالهم، فضج العسكر، وصعب عليهم أمره، فنادى ابن سعد بالرماة والنبالة فأحدقوا به من كل جانب حتى صار درعه كالقنفذ، هنالك اتقدت نار الغيرة في كانون فؤاده، ووقف وقفة المستميت فنزل عن فرسه وعقرها لأنها لم تستطع الاقتحام من كثرة السهام، وأخذ يكر عليهم راجلاً إلى أن سقط على الأرض وبه رمق، فكر عليه أصحاب الحسين ، واحتملوه حتى ألقوه بين يدي الحسين ، فجعل الحسين يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول: ما أخطأت أمك إذ سمتك حرا، أنت الحر في الدنيا والحر في الآخرة؛ ثم استعبر.
فرسان الهيجاء | بكير بن الحرّ بن يزيد الرياحي
قال الإمام الحسين من جملة خطبته: «اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم أن أقدم علينا لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، وإن كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه». فسكتوا، فقال للمؤذّن: أقم ، فأقام الصلاة فقال للحرّ: أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال الحر: لا، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك. فصلّى بهم الحسين (عليه السلام). الموقف الثالث: لم يكن الحر مأمورا بقتال الحسين عليه السلام، وإنما أمر بأن لا يفارقه وأن يقدم به وبأصحابه على ابن زياد، وقد أشار الشيخ المفيد وغيره إلى هذا المعنى حيث قال: وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين (ع).... فلم يزل الحر موافقا للحسين (ع) حتى حضرت صلاة الظهر [البلاذري، أنساب الأشراف، ج 2، ص 473؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 249 ــ 250؛ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 80؛ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 1، ص 332. فرسان الهيجاء | بكير بن الحرّ بن يزيد الرياحي. ] بل هناك تصريح للحر بهذا المعنى حيث قال: إني لم اُؤمر بقتالك، وإنما أمرت أنْ لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة.. بل نقول أكثر من ذلك: الذي يظهر من النصوص أنّ الحرّ كان كارها لقتال الحسين عليه السلام فحاول اختراع حلٍّ ينجيّه من أي مشكلة مع الإمام الحسين من جهة ومع عبيد الله بن زياد من جهة أخرى.
الحر بن يزيد الرياحي الضمير الحي والإرادة الحرةوكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا
وقد أرسله أبو بكر مع خمسمائة فارس...
المزيد
وكان من نتائج ذلك أن امتلأت السّجونُ بالشّيعة واختفى منهم جماعة، وخرج مَنْ خرج لحرب الحسين من أنصار الاُمويّين، وأهل الأطماع والمصالح الذين كانوا يشكّلون أكبر عدد في الكوفة، أمّا رواية الخمسة آلاف مقاتل التي تبنّاها بعض المؤرّخين فمع أنّها من المراسيل، لا تؤيّدها الظروف والملابسات التي تحيط بحادث من هذا النوع الذي لا يمكن لأحد أن يقدِمَ عليه إلاّ بعد أن يُعِدَّ العُدَّة لكلّ الاحتمالات، ويتّخذ جميعاً لاحتياطات، وبخاصّة إذا كان خبيراً بأهل الكوفة وتقلّباتهم وعدم ثباتهم على أمر من الأُمور 10. وتوالت قطعات الجيش الأموي بزعامة عمر بن سعد فأحاطت بالحسين (عليه السّلام) وأهله وأصحابه، وحالت بينهم وبين ماء الفرات القريب منهم، وقد جرت مفاوضات محدودة بين عمر بن سعد والإمام الحسين (عليه السّلام) أوضح فيها الإمام (عليه السّلام) لهم عن موقفه وموقفهم ودعوتهم له، وألقى عليهم كلّ الحجج في سبيل إظهار الحقّ، وبيّن لهم سوء فعلهم هذا وغدرهم ونقضهم للوعود التي وعدوه بها من نصرته وتأييده، وضرورة القضاء على الفساد. ولكن عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الاُموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمام (عليه السّلام) ليزيد أو قتله وأهل بيته وأصحابه 11 ، متجاهلاً حرمة البيت النبوي، بل وحاقداً عليه كما جاء في رسالته لعمر: أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان 12 13.