﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى: ( فسبحان الله) أي: سبحوا الله ، ومعناه: ( حين تمسون) أي: تدخلون في المساء ، وهو صلاة المغرب والعشاء ( وحين تصبحون) أي: تدخلون في الصباح ، وهو صلاة الصبح. ﴿ تفسير الوسيط ﴾
قالوا الإمام الرازي: لما بين- سبحانه- عظمته في الابتداء بقوله ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى، وعظمته في الانتهاء، بقوله:وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وأن الناس يتفرقون فريقين، ويحكم- عز وجل- على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالى، وهؤلاء للنار ولا أبالى، بعد كل ذلك أمر بتنزيهه عن كل سوء، وبحمده على كل حال، فقال: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ. والفاء في قوله: فَسُبْحانَ.. لترتيب ما بعدها على ما قبلها، ولفظ «سبحان» اسم مصدر، منصوب بفعل محذوف. والتسبيح: تنزيه الله-- تعالى-: عن كل ما لا يليق بجلاله. تفسير قوله تعالى: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. والمعنى: إذا علمتم ما أخبرتكم به قبل ذلك، فسبحوا الله- تعالى- ونزهوه عن كل نقص حِينَ تُمْسُونَ أى: حين تدخلون في وقت المساء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ أى:تدخلون في وقت الصباح. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾
هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة ، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده ، في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه: عند المساء ، وهو إقبال الليل بظلامه ، وعند الصباح ، وهو إسفار النهار عن ضيائه.
تفسير قوله تعالى: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون
والخطاب في { تُمْسُونَ} و { تُصْبِحُونَ} تابع للخطاب الذي قبله في قوله { ثُمَّ إليهِ تُرْجعون} [ الروم: 11] ، وهو موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله { أو لم يتفكروا في أنفسهم} [ الروم: 8] إلى آخرها كما علمت آنفاً. وهذا هو الأنسب باستعمال مصدر ( سبحان) في مواقع استعماله في الكلام وفي القرآن مثل قوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يشركون} [ الزمر: 67] وهو الغالب في استعمال مصدر { سبحان في الكلام إن لم يكن هو المتعين كما تقتضيه أقوال أيمة اللغة. فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد. وهذا غير استعمال نحو قوله تعالى { فسبِّح بحَمْد ربِّك حِينَ تقُوم} [ الطور: 48] وقول الأعشى في داليته: وسبّح على حين العشيات والضحى... وقوله { حين تمْسُون ،} و { حين تَصبحون} ، و { عشياً ، وحين تظْهرون} ظروف متعلقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل ، أي يُنْشأ تنزيه الله في هذه الأوقات وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان إليها ، والمقصود التأبيد كما تقول: سبحان الله دَوْماً. وسلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء. وجوّز بعض المفسرين أن يكون { سبحان} هنا مصدراً واقعاً بدلاً عن فعل أمر بالتسبيح كأنه قيل: فسبحوا الله سبحاناً.
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون - الحديث الشريف و السيرة النبوية
كتاب: الجدول في إعراب القرآن. إعراب الآيات (15- 16): {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16)}. الإعراب: الفاء استئنافيّة (أمّا) حرف شرط وتفصيل (الذين) اسم موصول في محلّ رفع مبتدأ الفاء رابطة لجواب الشرط أمّا (في روضة) متعلّق بخبر المبتدأ هم، والواو في (يحبرون) نائب الفاعل. جملة: (الذين آمنوا.. ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (آمنوا... ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (عملوا.. ) لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة. وجملة: (هم في روضة.. ) في محلّ رفع خبر المبتدأ (الذين). وجملة: (يحبرون.. ) في محلّ رفع خبر ثان. (16) الواو عاطفة (أمّا الذين كفروا... ) مثل أمّا الذين آمنوا (بآياتنا) متعلّق ب (كذّبوا،) الفاء رابطة لجواب الشرط (في العذاب) متعلّق ب (محضرون) خبر المبتدأ (أولئك). وجملة: (الذين كفروا... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة الذين آمنوا... وجملة: (كفروا.. ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني. وجملة: (كذّبوا... فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وجملة: (أولئك.. محضرون) في محلّ رفع خبر المبتدأ (الذين).
الدرر السنية
وعليه يخرج ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم. وتلا قوله تعالى { فسُبْحان الله حِينَ تمْسُون وحين تُصْبِحون} إلى قوله { وحِينَ تظهرون} فإذا صح ما روي عنه فتأويله: أن { سبحان} أمر بأن يقولوا: سبحان الله ، وهو كناية عن الصلاة لأن الصلاة تشتمل على قول: سبحان ربي الأعلى وبحمده. وقوله { حين تمسون} إلى آخره إشارة إلى أوقات الصلوات وهو يقتضي أن يكون الخطاب موجهاً إلى المؤمنين. والمناسبة مع سابقه أنه لما وعدهم بحسن مصيرهم لقّنهم شكر نعمة الله بإقامة الصلاة في أجزاء اليوم والليلة. وهذا التفريع يؤذن بأن التسبيح والتحميد الواقعين إنشاءً ثناء على الله كناية عن الشكر عن النعمة لأن التصدي لإنشاء الثناء عقب حصول الإنعام أو الوعد به يدل على أن المادح ما بعثه على المدح في ذلك المقام إلا قصد الجزاء على النعمة بما في طوقه ، كما ورد ( فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له). فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون - الحديث الشريف و السيرة النبوية. وليست الصلوات الخمس وأوقاتها هي المراد من الآية ولكن نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرآن ، لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السُبحة فلا يطلق عليها: سبحان الله.
فصل: إعراب الآيات (15- 16):|نداء الإيمان
الصرف: (روضة)، اسم للحديقة أو الجنة وزنه فعلة بفتح فسكون. الفوائد: - الغناء في الجنة: روي عن علي رضي اللّه عنه قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن في الجنة لمجتمعا للحور العين، يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نيأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له... إعراب الآيات (17- 19): {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19)}. الباحث القرآني. الإعراب: الفاء استئنافيّة (سبحان) مفعول مطلق لفعل محذوف منصوب (حين) ظرف منصوب متعلّق بالمصدر سبحان في المواضع الثلاثة، والفعلان (تمسون، تصبحون) تامّان أي تدخلون في المساء وفي الصباح، الواو اعتراضية (له) متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ (الحمد) (في السموات) متعلّق بالحمد، (عشيّا)، ظرف منصوب متعلّق بسبحان، فهو معطوف على حين (من الميّت) متعلّق ب (يخرج) الأول (من الحيّ) متعلّق ب (يخرج) الثاني (بعد) ظرف منصوب متعلّق ب (يحيي)، الواو عاطفة (كذلك) متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله تخرجون، والواو فيه نائب الفاعل.
الباحث القرآني
جملة: سبّحوا (سبحان.. وجملة: (تمسون.. ) في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: (تصبحون.. ) في محلّ جر مضاف إليه. وجملة: (له الحمد.. ) لا محلّ لها اعتراضيّة. وجملة: (تظهرون.. وجملة: (يخرج.. وجملة: (يخرج) الثانية لا محلّ لها معطوفة على جملة يخرج الأولى. وجملة: (يحيي... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة يخرج الثانية. وجملة: (تخرجون.. ) لا محلّ لها معطوفة على جملة يحيي. الفوائد: 1- معاني (أصبح وأمسى وأضحى) ثلاثة: أ- أن يقترن مضمون الجملة بالأوقات الخاصة بها، وهي الصباح والمساء والضحى. ب- أن تفيد معنى الدخول في هذه الأوقات، وفي هذا الحالة تكون تامة، تكتفي بمرفوعها. قال حميد الأرقط: فأصبحوا والنوى عالى معرسّهم ** وليس كل النوى تلقي المساكين ج- أن تكون بمعنى صار، كقولنا أصبح عليّ فارسا، وأمسى خالد كريما. 2- اختلاف الألوان والألسنة: حقا إذا فكر الإنسان، كيف اختص كل فرد من أفراد الانسانية بلون وسمات فارقه عمّن سواه، وكيف انبثقت هذه اللغات، واختلفت هذه الألسنة بين شعوب الأرض، وكيف اتفقت كل مجموعة من الناس على لغة خاصة بهم يتقنونها دونما سواها من اللغات، حقا إن ذلك يملأ النفس عجبا، والعقل إكبارا، والقلوب إجلالا لخالق الكون ومدبر أموره وباثا في أرجائه آياته.
الإعراب: الواو عاطفة (من آياته) متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ المؤخّر المصدر المؤوّل.. وكذلك الأمر في المواضع الخمسة الآتية (أن) حرف مصدريّ (من تراب) متعلّق ب (خلقكم)، (ثمّ) حرف عطف (إذا) فجائيّة. والمصدر المؤوّل (أن خلقكم) في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر. جملة: (من آياته أن خلقكم... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة يخرج الحيّ.... وجملة: (خلقكم.. ) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن). وجملة: (أنتم بشر... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة صلة الموصول الحرفيّة. وجملة: (تنتشرون... ) في محلّ رفع نعت لبشر. (21) الواو عاطفة (لكم) متعلّق ب (خلق)، (من أنفسكم) متعلّق ب (خلق)، اللام للتعليل (تسكنوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (إليها) متعلّق ب (تسكنوا).. والمصدر المؤوّل (أن تسكنوا... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (خلق). (بينكم) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف مفعول به ثان عامله جعل، (في ذلك) متعلّق بمحذوف خبر إنّ اللام للتوكيد (آيات) اسم إنّ مؤخّر منصوب وعلامة النصب الكسرة.. وكذلك الحالات المشابهة في ما يلي (لقوم) متعلّق بنعت لآيات. وجملة: (من آياته أن خلق... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة من آياته أن خلقكم.