وقد نسب ابنُ حجر الـهيتمي إلى الفقهاء أنـهُم قالوا بـجوازِ كشفِ الـحرة وجهها وعلى الرجالِ غضُ البصر. ودليلٌ ءاخر أن قيس بن حازم التابعي رضي الله عنه دخلَ على سيدنا أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه فقال (دخلتُ على سيدنا أبي بكر أعودُه وجدتُ عندهُ امرأةً بيضاءَ موشومةَ اليدين) رواهُ الطبراني بإسنادٍ صحيح، فكلُ هذا يدلُ على أن وجه الـمرأة وكفيها ليسا بعورة.
هل كشف وجه المرأة حرام است
مـحلُ الدليلِ أنه صلى الله عليه وسلـم لـم يَقُل للخثعميةِ غطي وجهكِ، وأما دعوى بعض الناس أن هذا في الـحج فلا يقاس بهِ غيره فالـجواب:
أنه لو كان كشفُ وجهها حراما لقال لـها غطي وجهكِ مع الـمـجافاة أي مع الإبعادِ عن اللصوق بالوجه لكنه لـم يأمرها بذلك فعلمنا من ذلك أنهُ لا يـجبُ على الـمرأةِ لو كانت شابة جميلةً سترُ وجهها وعلى من كان يـخشى على نفسه الفتنه أن يغُض بصره. وأما حديثُ (احتجبا منهُ) خطابا لزوجتينِ من زوجات النبي صلى الله عليه وسلـم حينَ دخلَ الأعمى، فالـجوابُ كما قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لأَزْواجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً أَلا تَرَى إلى اعتِدَادِ فاطِمَةَ بِنتِ قَيْسٍ عِندَ ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ قَدْ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنتِ قَيْسٍ (اعْتَدّي عِندَ ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ فإنه رَجُلٌ أَعمَى تَضَعِينَ ثِيابَكِ عِندَهُ) فقد رخصَ لـها كشف وجهها، احتج أبو داود بـحديثه هذا على الفرقِ بينَ أزواجِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلـم وسائرِ نساءِ الـمؤمنين وهذا دليلٌ ظاهرٌ كالشمس لا خفاء فيه. أما ما قالهُ بعضُ الـمتأخرينَ بوجوبِ ستر الوجه بدعواه اتفاق ولاةِ الأمورِ على منع النساء من خروجهنّ سافرات الوجه فمعارضٌ بقولِ القاضي عياض حيث نقلَ الإجماعَ على جواز خروجهنّ كاشِفاتِ الوجوه وعلى الرجالِ غضُ البصر، وأما الاحتجاجُ بكثرةِ الفتنِة في هذا الزمان فالـجوابُ أن الفتنةَ كانت في الـماضي موجودة أيضا فقد ثبت بالإسنادِ أن عمرَ رضي اللهُ عنه سـمِع ذاتَ ليلةٍ إمرأةً تُنشدُ:
هل من سبيلٍ إلى خمرٍف أشربَهَا *** أم من سبيلٍ إلى نصرِ بنِ حجاجِ
حتى نفاهُ عُمَرُ إلى البصرة.
وأعلم أن الحجاب عند بعض
الناس هو أن تغطي المرأة جميع بدنها إلا وجهها ، والحق الذي تدل عليه
الأدلة ويقتضيه النظر كما يقتضيه الأثر ، أنه لا بد أن تغطي المرأة
وجهها ، لأن الوجه هو محل الفتنة ومحل الرغبة ، ولا أحد يشك أن مطلب
الرجال أولا هو جمال الوجه للمرأة دون بقية الأعضاء. فلتتق الله ،
ولتحتشم ، ولتبتعد عن الفتنة ، ولتستر وجهها حتى لا يحصل الشر والفساد. محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية
4
1
37, 232