وانظر إلى الصوم أيضًا، ليس كل السنة ولا نصف السنة ولا ربع السنة، بل شهر واحد من أثنى عشر شهرًا، ومع ذلك فهو ميسَّرٌ، إذا مرضت فأفطر، وإذا سافرت فأفطر، وإذا كنت لا تستطيع الصوم في كل دهرك فأطعم عن كل يومٍ مسكينًا. الدين يسر وليس عسر .. انظر إلى الحج أيضًا ميسر، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97] ومن لم يستطع: إن كان غنيًّا بماله أناب من يحج عنه، وإن كان غير غني بماله ولا بدنه سقط عنه الحج. فالحاصل أن الدين يسر، يسر في أصل التشريع، ويسر فيما إذا طرأ ما يوجب الحاجة إلى التيسير، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لعمران بن حصين: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» فالدين يسر. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه» يعني: لن يطلب أحد التشدد في الدين إلا غُلب وهزم، وكلَّ وملَّ وتَعِب، ثم استحسر فترك، هذا معنى قوله: «لن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه» يعني أنك إذا شددت الدين وطلبت الشدة، فسوف يغلبك الدينُ، وسوف تهلِك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «هلك المتنطعون». ثم قال عليه الصلاة والسلام: «فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا»، سدد أي افعل الشيء على وجه السداد والإصابة، فإن لم يتيسر فقارب، ولهذا قال: (وقاربوا)، والواو هنا بمعنى (أو)، يعني سددوا إن أمكن، وإن لم يمكن فالمقاربة.
- الدين يسر وليس عسر .
- مــن مظاهــر اليسـر في دينـنـا الإســـلامي - صحيفة الأيام البحرينية
الدين يسر وليس عسر .
وإن ذلك واضح في محاربة الدعوة الإسلامية؛ ولذلك جعل عمر - رضي الله عنه - من الشروط التي اشترطها مع نصارى الشام ألا يُظهروا شركًا. الدعوة إلى هذه الأديان الباطلة، لا شكَّ أنها من أعظم الانتقاص لله ولكتابه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه. ب- ضوابط تجاه شريعة الإسلام: من جانب: 1. المعاملات المدنية: إن أهل الذمة يُلزمون بالخضوع في أمور التعاملات مع المسلمين وفيما بينهم بحكم الإسلام الذي به ينعم الجميع بالعدالة والأمان؛ قال تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾«المائدة: 42». بيَّنت الآية أن أهل الذمة يحكمون بحكم الإسلام في الجملة، وهذا مقتضى انضمامهم إلى دولة الإسلام. مــن مظاهــر اليسـر في دينـنـا الإســـلامي - صحيفة الأيام البحرينية. الأحكام الجنائية: هذه الشريعة السمحة إقليمية التطبيق، فهي تطبَّق في دولة الإسلام على مَن رضِي الإقامة بها؛ سواء ممن آمَن بالإسلام، أم لم يؤمن به؛ حتى يعمَّ الأمن والاستقرار في ربوعها، فلا تطبَّق على فئة دون الأخرى، وعلى هذا فالقانون الجنائي الإسلامي يطبق على جميع الجرائم التي تقع في دار الإسلام، بغض النظر عن ديانة مرتكبها.
مــن مظاهــر اليسـر في دينـنـا الإســـلامي - صحيفة الأيام البحرينية
إدراك ضعف النفس الإنسانية أمام الشهوات
فقد أكدت الشريعة على غفران الله تعالى لذنوب العباد، وعدم مؤاخذتهم على ما يحدثون به أنفسهم من إتيان الذنوب والمعاصي، فمن همّ بسيئةٍ لم تكتب له، وإذا فعلها كتبت عليه سيئة واحدة، وإذا عمل حسنة ضوعفت له عشر حسنات يضاعفها الله لمن يشاء. يسر الإسلام في التعامل مع المخالفين
فلم يسجل التاريخ واقعةً واحدة أجبر فيها المسلمون غيرهم على اعتناق الإسلام، بل يخير الناس في ذلك حتّى يدخلو في الإسلام طائعين راغبين. منهج النبي عليه الصلاة والسلام
الذي يدل على يسر الشريعة الإسلامية، فما خيّر نبي الله بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، كما نهى النبي الكريم عن التشدد الذي يسبب العنت والمشقة للناس، ففي الحديث: (ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه) [صحيح البخاري]، ودعا صحابته أكثر من مرة لاتباع منهج التيسير على الناس، ومنها قوله لمعاذ بن جبل وصاحبه حينما أرسلهما إلى اليمن: (يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا) [صحيح البخاري]. سماحة الدين في رد العدوان والإساءة
فقد حثت الشريعة الإسلامية على الصبر على الإساءة، ومقابلتها بالإحسان والعفو لأنّ ذلك من شيم المؤمنين، وخصال الموحدين ذوي العزيمة، فقد قال تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43].
الحمد لله. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" معنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين ، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة ، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة ، فمن شاد الدين غلبه وقطعه. وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال:
( أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال: " أتقوله صادقا " ؟ قلت: يا نبي الله هذا فلان ، وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة ، قال: " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر)
وفي رواية له: ( إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره) – " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -.