فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية،
ولهذا توعدهم بقوله: ( كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ *
ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي: لو
تعلمون ما أمامكم علمًا يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال
الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون، (
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) أي: لتردن القيامة، فلترون
الجحيم التي أعدها الله للكافرين. ( ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ
الْيَقِينِ) أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ
النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التكاثر. ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) الذي تنعمتم به في دار
الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم
نعيمًا أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على
معاصي الله فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا
عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا
وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ الآية.
- تفسير سوره التكاثر ابن كثير
- تفسير سورة التكاثر للاطفال
- تفسير سورة التكاثر اطفال
تفسير سوره التكاثر ابن كثير
تفسير الآية رقم (1): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)} {أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر أو ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل لأنه ما رأه وولد بعده بأربعين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو ولد عام الفيل أو يوم الفيل وسبب قصدهم لمكة أن أبرهة بن الصباح بنى بصنعاء كنيسة وأراد صرف حج العرب إليها فسمع بذلك رجل من كنانة فخرج فأتاها ليلاً فأحدث فيها فبلغ أبرهة فحلف بالله تعالى ليهدمن الكعبة فسار إليها بالفيل.
كما لا خلاف في منع زيارتها إذا حدث في ذلك منكرات وأشياء مما نهى عنه الدين كاختلاط الرجال بالنساء وحدوث فتن لا تحمد عقباها. ثم نبههم إلى خطإ ما هم فيه، وزجرهم عن البقاء على تلك الحال التي لها وخيم العاقبة فقال:
(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي ازدجروا عن مثل هذا العمل الذي لا تكون عاقبته إلا القطيعة والهجران، والضغينة والأحقاد، والجئوا إلى التناصر على الحق، والتكاثف على أعمال البر، والتضافر على ما فيه حياة الأفراد والجماعات، من تقويم الأخلاق، وتطهير الأعراق، وإنكم سوف تعلمون عاقبة ما أنتم فيه من التكاثر إذا استمر بكم هذا التفاخر بالباطل بدون عمل صحيح نافع لكم في العقبى. ثم أكد هذا وزاد في التهديد فقال:
(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وهذا وعيد بعد وعيد في مقام الزجر والتوبيخ كما يقول السيد لعبده: أقول لك لا تفعل، ثم أقول لك لا تفعل. تفسير سوره التكاثر ابن كثير. (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي ارتدعوا عن تغريركم بأنفسكم، فإنكم لو تعلمون عاقبة أمركم لشغلكم ذلك عن التكاثر، وصرفكم إلى صالح الأعمال، وإنّ ما تدعونه علما ليس في الحقيقة بعلم، وإنما هو وهم وظن لا يلبث أن يتغير، لأنه لا يطابق الواقع، والجدير بأن يسمى علما هو علم اليقين المطابق للواقع، بناء على العيان والحس، أو الدليل الصحيح الذي يؤيده العقل، أو النقل الصحيح عن المعصوم ﷺ.
تفسير سورة التكاثر للاطفال
[4]
معاني مفرداتها
أهم المفردات في السورة:
(ألهاكم): شغلكم. (التكاثر): المكاثرة: التباري في كثرة المال والعزّ. (المقابر): مفردها مقبرة، والقبر هو مقر الميت. (اليقين): من صفة العلم فوق المعرفة والدراية، وهو سكون الفهم مع ثبات الحُكم. تفسير سورة التكاثر للاطفال. (لترونَّ): الرؤية، المشاهدة. (الجحيم): اسم من أسماء النار مأخوذ من الجحمة. (النعيم): النعمة الكثيرة. [5]
سبب نزولها
مقالة مفصلة: سبب النزول
يعتقد المفسرون أنّها نزلت في قبائل كانت تتفاخر على بعضها بكثرة الأموال والأنفس حتى أنها كانت تذهب إلى المقابر وتعدُّ موتاها لترفع أحصائية أفراد القبيلة، فقال بعضهم: إنّ المقصود قبيلتان من قريش في مكة ، وبعضهم قال: إنهما قبيلتان من قبائل الأنصار في المدينة ، وقيل: إنها إشارة إلى تفاخر اليهود على غيرهم. [6]
محتواها
الآية الأولى والثانية من سورة التكاثر
السورة توجه اللوم والتحذير إلى المتفاخرين بكثرة الأنفس والأموال والمنشغلين بها حتى لحظة موتهم وورودهم إلى المقابر، [7] فانصرافهم عن الحق وصالح الأعمال بتفاخرهم هذا ناتج عن غفلتهم وضلالهم. وفيها كلام طويل للإمام علي بعد تلاوة هذه الآية الكريمة: ( وبمصارع أبائهم يفخرون؟ أم بعديد الهلكى يتكاثرون؟ ولأن يكونوا عِبراً أحقّ من أن يكونوا مُفتخراً).
فهكذا تكون أحوال أهل القيامة، عند النظر إلى ما فاتهم من الخير أيّام الحياة الدنيا. إنّ الرؤية في قوله تعالى: ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ من الممكن أن نقول عنها بأنّها رؤية القلب الذي من الممكن أن يرى حقائق هذا الوجود:
إجمالاً كما يقع لعامّة المؤمنين الذين يصفهم أمير المؤمنين (ع) عند وصف يقينهم بالله تعالى قائلاً: « لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان » [ نهج البلاغة، 258]. وتفصيلاً كما وقع لإبراهيم الخليل (ع) حيث يقول الله تعالى عنه: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [ سورة الأنعام، 75]. ويؤيّد هذا التفسير: إنّ الله تعالى عطف على هذه الرؤية ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ تلك الرؤية الاُخرى في القيامة قائلاً: ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ وهي رؤية الحسّ بعدما كانت رؤية الباطن. شبكة الألوكة. إنّ لليقين درجات متردّدة بين: علم اليقين، وعين اليقين، وحقّ اليقين، ومثّلوا لذلك: برؤية الدخان، ثمّ رؤية النار، ثمّ ملامستها.. فاليقين حاصل في الحالات الثلاث ولكن بتفاوت واضح في البين، وهذه الدرجات المتفاوتة لليقين منطبقة على اليقين بالآخرة: ففرقٌ بين اليقين به في الدنيا ﴿ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ واليقين بها في الاُخرى ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾.
تفسير سورة التكاثر اطفال
قال الأستاذ الإمام: وقد يكون معنى التكاثر التغالب في الكثرة، أي طلب كل واحد منهما أن يكون أكثر من الآخر مالا أو جاها، والسعي إلى ذلك لمجرد المغالبة، لا يبغي الساعي في سعيه إلا أن يكون ماله أكثر من مال الآخر، أو أن يكون عضده أقوى من عضده، لينال بذلك لذة التعلى والظهور بالقوة كما هو شأن الجمهور الغالب من طلاب الثروة والقوة، ولا ينظر الدائب منهم في عمله إلى تلك الغاية الرفيعة غاية البذل مما يكسب في سبل الخير، أو النهوض بالقوة إلى نصر الحق، وحمل المبطلين على معرفته والتوجه إليه، ثم المحافظة بعد ذلك عليه. وهذا معنى معقول ذهب إليه بعض المفسرين، وهو يتفق كل الاتفاق مع ما يفهم من لفظ (أَلْهاكُمُ) فإن الذي يلهى الناس عن الحق في كل حال، ويصرف وجوههم عنه إلى الباطل: هو طمع كل واحد منهم أن يكون أكثر من الآخر مالا أو عدد رجال، ليعلو عليه، أو ليستخدمه لسلطانه، بقدر ما يدخل في إمكانه، أما التفاخر بالأقوال فإنما يلهيهم في بعض الأحوال ا هـ. (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى هلكتم وصرتم من الموتى، فأضعتم أعماركم فيما لا يجدى فائدة، ولا يعود عليكم بمائدة، في حياتكم الباقية الخالدة. فصل: سورة التكاثر:|نداء الإيمان. قال العلماء: إن زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي، لأنها تذكر بالموت والآخرة، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، ومن ثم قال ﷺ: « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهّد في الدنيا وتذكركم الآخرة ».
ومن المعلوم أنّ الطريق الأمثل لشكر هذه الأنعم، هو ما بيّنته الشريعة من خلال تشريعاتها المتعلّقة بـ(الأبدان) كالصوم و(الأموال) كالزكاة أو (الأرواح) كالصلاة المعراجية أو (الحقوق) كصلة الأرحام مثلاً. فعدم الالتفات إلى ما في الشريعة من أحكام قد يُوقع العبد في عكس ما ذُكر، ومن هنا كان الشاكرون لأنعم الله تعالى، هم الأقلّون عدداً ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف، 10]! إنّ البعض قد يتوهّم وجود حالة من التنافي بين هذه الآيات الناهية عن التفاخر بالمال والولد وغيرهما، وبين الآية الدالّة على التحدّث بالنعم كقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [ سورة الضحى، 11]. والجواب عن ذلك: إنّ التحدّث بالنعم ـ سواءً بإظهارها خارجاً أو الحديث عنها ـ يكون بهدف راجح: إمّا بإظهار الشكر عملاً، أو لتشجيع الغير على التأسّي به فيما أنعم الله تعالى عليه، وهذا يجانب تماماً الفخر والتباهي الذي يعود إلى اتّباع الهوى، لا طاعة الهدى.