[تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)] قال الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20] أي: تأملوا في المخلوقات حتى تعرفوا كيف خلقهم الله سبحانه على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، كيف بدأ الخلق من آدم عليه الصلاة والسلام وانتشر منه هذا العدد الجم المهول والجمع الغفير من الخلق، ويتكلمون بألسنة شتى ولسان آدم خلقه الله عز وجل واحد، فكيف اختلفت هذه الألسنة؟! فهذا يتكلم بالعربي وهذا بالعجمي وهذا بالهندي وهذا بالصيني وهذا، والله عز وجل يسمع هذا كله، ويعرف من عباده ما يقولون، ويستجيب لعباده سبحانه. اختلفت طبائعهم بحسب ما خلقهم الله من الأرض، فهذا مخلوق من هذه الأرض، وهذا من هذه الأرض، فكان من الأرض السهل والجبل والصعب والوعر، وكذلك أخلاق الناس كهذه الأرض التي خلقوا منها، والله عز وجل على كل شيء قدير.
قل سيروا في الأرض
ورد الأمر بـ (السير) في الأرض في القرآن في مواضع عدة، جاء في معظمها الربط بين (السير) و(النظر) بحرف (الفاء)، نحو قوله تعالى: { قل سيروا في الأرض فانظروا} (النمل:69). غير أنه ورد في موضع واحد الربط بين الأمرين بحرف (ثم)، وذلك في قوله تعالى: { قل سيروا في الأرض ثم انظروا} (الأنعام:11). قل سيروا في الأرض ثم انظروا. وقد ذكر أهل التفسير بعض التوجيهات اللطيفة لهذا الفارق، نذكرها على النحو التالي:
أولاً: قال الزمخشري: "فإن قلت: أي فرق بين قوله: { فانظروا}، وبين قوله: {ثم انظروا}؟ قلت: جعل النظر مسبَّباً عن السير في قوله: { فانظروا} فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله: { سيروا في الأرض ثم انظروا} فمعناه: إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين. ونبه على ذلك بـ (ثم)؛ لتباعد ما بين الواجب والمباح". وحاصل الفرق في كلام الزمخشري: أن العطف بـ (الفاء) يفيد السببية بين (السير) و(النظر)، بمعنى أن (السير) يقتضي (النظر) والاعتبار في آثار الآخرين. أما العطف بـ (ثم) فيفيد الانفصال بين الأمرين (السير) و(النظر)، فحمل الأول على الإباحة، والثاني على الوجوب، وعطف بينهما بـ (ثم) التي تفيد التراخي.
ﵟ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﰊ ﵞ
سورة الأنعام
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين المستهزئين: سيروا في الأرض، ثم تأملوا كيف كانت نهاية المكذبين لرسل الله، فقد حل بهم عقاب الله بعدما كانوا فيه من القوة والمنعة. ﵟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﱬ ﵞ
سورة يوسف
وما بعثنا من قبلك - أيها الرسول - إلا رجالًا من البشر لا ملائكة، نوحي إليهم كما أوحينا إليك، من أهل المدن لا من أهل البوادي، فكذبتهم أممهم فأهلكناها، أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بك في الأرض فيتأملوا كيف كانت نهاية المكذبين من قبلهم فيعتبروا بهم؟! قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (مطوية). وما في الدار الآخرة من النعيم خير للذين اتقوا الله في الدنيا، أفلا تعقلون أن ذلك خير فتتقوا الله بامتثال أوامره - وأعظمها الإيمان - وباجتناب نواهيه، وأكبرها الشرك بالله. ﵟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﰣ ﵞ
سورة النحل
ولقد بعثنا في كل أمة سابقة رسولًا يأمر أمته بأن يعبدوا الله وحده، ويتركوا عبادة غيره من الأصنام والشياطين وغيرهم، فكان منهم من وفقه الله فآمن به، واتبع ما جاء به رسوله، وكان منهم من كفر بالله وعصى رسوله فلم يوفقه، فوجبت عليه الضلالة، فسيروا في الأرض لتروا بأعينكم كيف كان مصير المكذبين بعدما حل بهم من عذاب وهلاك.
قل سيروا في الأرض ثم انظروا
من سلسلة مقالات خلق الإنسان وخلق الحياة (1)
{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} سورة العنكبوت
والسؤال هنا كيف نسير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق؟ وأصل نظر عند ابن فارس هو تأمل الشيء ومعاينته، الأمر هنا له وجهان. الوجه الأول أن نشاهد الأرض الجرداء الميتة حتى يهطل المطر عليها فينبت منها العشب والنبات الحي. تفسير قوله تعالى: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان. في قوله تعالى {ويحيي الأرض بعد موتها} وقوله تعالى {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون…} وقوله تعالى {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج …. } وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. ولكن هل تكمن الإجابة عن سؤالنا في هذه الآيات؟ ما نراه في هذه الظواهر يقع في باب كيف يحيي الله الخلق بعد موتهم، وليس كيف بدأ الخلق، فالصحراء الجرداء الميتة يكمن بين ترابها ورمالها بذور النباتات التي ما أن يتوفر لها الماء حتى تنمو نباتا جديدا، وهذا لا يدل على بدأ الحياة من العدم أو من الجماد اللامخلوق اللامسبوق، وانما يدل على استمرار للحياة المخلوقة متى توفرت لها ظروفها ومقوماتها.
الثانية: هي أنا بينا أن العلم الأول أتم وإن كان الثاني أعم ، وكون الأمر يسيرا على الفاعل أتم من كونه مقدورا له بدليل أن القائل يقول في حق من يحمل مائة من أنه قادر عليه ولا يقول إنه سهل عليه ، فإذا سئل عن حمله عشرة أمنان يقول إن ذلك عليه يسير ، فنقول قال الله تعالى إن لم يحصل لكم العلم التام بأن هذه الأمور عند الله سهل يسير فسيروا في الأرض لتعلموا أنه مقدور ، ونفس كونه مقدورا كاف في إمكان الإعادة.
قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف بدأ الخلق
فقد كانت تلك الأمم أكثر منهم أموالًا، وأعظم قوة، وأشدّ آثارًا في الأرض، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من القوة لما جاءهم عذاب الله المهلك. ﵟ ۞ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﰉ ﵞ
سورة محمد
أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض، فيتأملوا كيف كانت نهاية الذين كذبوا من قبلهم، فقد كانت نهاية مؤلمة، دمر الله عليهم مساكنهم، فأهلكهم وأهلك أولادهم وأموالهم، وللكافرين في كل زمان ومكان أمثال تلك العقوبات. المزيد
ولعل الخيال يساعدنا على تقريب الموضوع، وهذا المثل والخيال اقتبسه من الأستاذ مالك بن نبي – رحمه الله – في كتابه الافرسيوية: حيث تصور كائناً غريباً عن الأرض، لديه تفكير يشبه تفكيرنا في ناحية ويفارقه في ناحية أخرى، فهذا الكائن لو أتى إلى الأرض ولا يعرف من حياة البشر شيئاً ورأى الأطفال والكبار والشيوخ ولم يكن يعرف من تاريخهم وبدء خلقهم شيئاً، فلربما تصور أن البشر الكبار والصغار وُجدوا هكذا، وأن الكبار لم يكونوا صغاراً وأن الصغار لن يكبروا. إن هذا المثل مع كل نواقصه قد يقرب إلينا أن رؤية لحظية منقطعة الصلة عن كيف بدأ الخلق تعطي صورة مشوهة للواقع، وحتى في كيفية التعامل معه، وحين نرى إنساناً لا نعرف تاريخه فإننا نتردد في كيفية السلوك الذي نتخذه إزاءه، فكلما عرفنا تاريخه تكيف موقفنا منه، وإن لنا من كل شخص مسلكاً وموقفاً خاصاً حسب معرفتنا بتاريخه. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ – دراسات وأبحاث إسلامية معاصرة. وإذا زرت منطقة ما في فصل من فصول السنة فلا يمكن أن تتصور حال هذه المنطقة في بقية الفصول إلا إذا كانت لك معرفة بالفصول والتغيرات التي تحدث خلال سنة، وإن بعض المخلوقات لا تعرف من السنة إلا جزءاً منها فولادتها وموتها يكون في فصل واحد. الخلق ينمو ويتقدم
والآن إذا أردنا أن نكيف تصورنا وفق قوله تعالى: (سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) فقد يحدث لنا تصور أن الخلق ليس من شأنه أنه خُلق وانتهى، بل إننا نحن نُخلق الآن والكون يُخلق كما كنا صغاراً، ولا نزال نُخلق خلقاً من بعد خلق، كذلك الكون لا يزال يُخلق لا أنه خُلِق وانتهى، وإنما هو الآن في بعض مراحل خلقه قد مرَّ بمراحل معينة ويعيش في مراحل أخرى وسيصير إلى مراحل تالية.
اللهم اجعلنا من الصابرين💎.
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا مزخرفه
يا الله 😢💔 لأنه لا يعلم مصابه وصبره عليه إلا الله سبحانه قال ابن القيم: ـ رحمه الله تعالى ـ:
"والمصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه، وسرقة ماله، ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات: 🎈 أحدها: مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة. المقام الثاني: مقام الصبر إما لله، وإما للمروءة الإنسانية. واصبر لحكم ربك - موقع مقالات إسلام ويب. المقام الثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع، والصبر متفق على وجوبه. المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضى؛ فإنه يشهدُ البليةَ نعمة، فيشكر المُبْتَلي عليها" 😭💛
حين ترضى بوقوع المصيبة.. يُوجب لك ذلك أن يرضى الله عنك بيسير العمل يوم القيامة!
واصبر لحكم ربك فانك باعيننا لوحه
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي حدثنا محمد بن شعيب أخبرني طلحة ابن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح أنه حدثه عن قول الله تعالى " وسبح بحمد ربك حين تقوم" يقول حين تقوم من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيرا وإن كنت غير ذلك كان هذا كفارة له وقد قال عبد الرزاق في جامعه أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن أبي عثمان الفقير أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أو { حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] أي: حين تقوم من نومك فتُسبِّح الله وتحمده على أنْ أعاد عليك روحك، وأعاد إليك نشاطك بعد النوم، وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ نقول عندما نقوم: " سبحان الذى أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور " وأن نقرأ القيام من المجلس سورة العصر فهي كفارة لما حدث فيه. واصبر لحكم ربك فانك باعيننا لوحه. كذلك { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ... } [الطور: 49] أي: سبِّح ربك آناء الليل، وفي أوله وفي آخره { وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ} [الطور: 49] أي في وقت السَّحَر حينما تغيب النجوم، فالمعنى سبِّح ربك في كل هذه الأوقات فهو تسبيح موصول، ذلك لأن الله أنعم عليك وخصَّك بنعم تستوجب هذا التسبيح وهذا الحمد. اقرأ أيضا: كيف جعل الله بعض الناس فتنة لبعض؟ وكيف تنجو من هذه الفتنة؟ (الشعراوي يجيب)