ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المائدة - الآية 35. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيب الله له الدعاء. انتهـى من تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان. وما ذكره ابن سعدي فيما سبق في معنى الوسيلة هو المروي عن أئمة التفسير من السلف ومن بعدهم بغير خلاف كابن عباس و مجاهد و عطاء وأبو وائل، والحسن ، و قتادة ، و عبد الله بن كثير، و السدي ، و ابن زيد، وقد ذكر ابن كثير هذا المعنى عمن سبق ذكرهم ثم قال: وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: علم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المائدة - الآية 35
ومنه قول عنترة:
يعني بالوسيلة القربة، ومنه قول الآخر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلها ♦♦♦ وعاد التصافي بيننا والوسائل
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم روى بعد ذلك عطاء أنها القربة، وعن مجاهد "ابتغوا إليه الوسيلة" أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. أسوق إلى فطنتك هذه النصوص الصريحة الواضحة من أقوال اللغويين والمفسرين، وإليهم يرجع الأمر في فهم معاني الكلمات القرآنية، عسى أن تقتنع بأن الوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي. وابتغوا إليه الوسيلة أهل البيت. وأن التوسل هو ابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى أي التقرب إليه تلك هي الوسيلة الحق التي يدعو الله الناس إليها، فأداء الفرائض وسيلة، وترك المحرمات وسيلة، وطلب العلم النافع وسيلة وتلاوة القرآن مع التدبر وسيلة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة، والصدقة وسيلة، والإصلاح بين الناس وسيلة، الكلمة الطيبة تدخل بها السرور على المؤمن وسيلة، والاشتراك في أعمال البر وسيلة والمعروف وسيلة، وإماطة الأذى عن الطريق وسيلة. وبعد ذلك العرض لأقوال المفسرين خلص –رحمه الله- إلى أن قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]، يتضمن خمس أمور:
1- نداء المؤمنين لتنبيههم إلى ما يراد منهم.
وابتغوا إليه الوسيلة - منتديات عاشق الحروف
ألا تحب أن تكون من المحسنين، عليك بالمجاهدة والعناية بطاعة الله ورسوله، وحفظ وقتك في جميع الأوقات حتى تلقى ربك، عبِّد كلَّ حياتك فالحياة كلها عبادة، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]. عبِّد: صحتك، ومالك، ووظيفتك، ومكانتك في المجتمع، وعمرك، وأولادك، وحواسك، وعقلك، ومهاراتك، وكل ما تملِك في هذه الحياة، فأنت مفارقه.
قال الله -سبحانه وتعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الإسراء:35]. وقال الله -تعالى-: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57]. وابتغوا إليه الوسيلة - منتديات عاشق الحروف. أيها المؤمنون: إنَّ الوسيلة -كما تفيد الآيتان- هي خير مبتغى، خير ما يبتغيه مبتغٍ ويطلبه طالب، خير ما يبتغيه المسلم في حياته الوسيلة، وقد أجمع العلماء من أهل الدراية بكتاب الله -عز وجل- في كتب التفسير أن الوسيلة: القربة إلى الله -جل في علاه-، والتقرب إليه -عز وجل- بطاعته؛ طلبًا لرضاه، مخلصًا العبد دينه لله. وقد أفادت الآيتان أن الوسيلة لا تُبتغى إلا إلى الله؛ ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ)، أي: مخلصين لا إلى غيره، بحيث يكون العبد في أعماله كلها وطاعاته جميعها لا يبتغي بشيءٍ منها إلا الله -جل في علاه-. وقوله -عز وجل-: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، أي: القربة بطاعته؛ وهذا -أيضًا- لا يكون إلا بالاتباع للرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ فأفادت الآيتان -معاشر المؤمنين- أن الوسيلة تقوم على ركنين عظيمين وأساسين متينين: الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام- في الأعمال كلها، فلا يكون العبد مبتغيًا الوسيلة إلى الله إلا بذلك.