ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا ، فقلت: يا رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ". قال: " وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير متصدق. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل ، أو الكذاب ، والشنظير: الفحاش. التوحيد هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها. انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من طرق عن قتادة ، به. وقوله تعالى: ( ذلك الدين القيم) أي: التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم ، ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي: فلهذا لا يعرفه أكثر الناس ، فهم عنه ناكبون ، كما قال تعالى: ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [ يوسف: 103] ، ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الآية [ الأنعام: 116].
- التوحيد هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها
التوحيد هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها
الشيطان يحرص على تغيير الفطرة أشد من تغيير الشريعة ؛ لأنها أشد في الانحراف، وتغيير الفطرة الواحدة يلغي معه شرائع كثيرة، ومن أعظم أصول الفطرة هي فطرة العفاف وإن غُيرت تتغير معها شرائع متعددة، كغض البصر وعدم الخضوع بالصوت والحجاب وعدم الخلوة والاختلاط. والعفاف إن نُزع أوله تتابع وسقط، والإنسان ممكن أن يألف مايخالف الفطرة إن كثر من مخالطة من خالفوها وشاهدهم ويتشربها ويعتادها، حتى يظن أن صاحب الفطرة السليمة هو الشاذ! والحجاب عبادة تمتزج مع الفطرة، ومن وسائل الشيطان أن يفصل بينهم ويبقيه عادة؛ حتى يسهل تحكم الناس به، وتخفيف الثقيل ثم إزالته أهون من إزالته وهو ثقيل. *
* مختصر من كتاب "الحجاب في الشرع والفطرة"
{ { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ}} وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى. ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال: { { وَاتَّقُوهُ}} فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات. وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى: { { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}} فهذا إعانتها على التقوى. ثم قال: { { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}} فهذا حثها على الإنابة. وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال: { { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}} لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه. ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال: { { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}} مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه، منهم من يعبد الأوثان والأصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى. ولهذا قال: { { وَكَانُوا شِيَعًا}} أي: كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم.