وحواسك هذه لا تزال كما هي قد زادت حدة، فكما صنعت لك من قرب تصنع لك من بعد
قال: أنا في محضرها أحبها كما رأيت بالقدر الذي تقول هي فيه إنك لا تحبني، إذ كان بيننا آخر اسمه الخلق؛ ولكني في غيابها أفقد هذا الميزان الذي يزن المقدار ويحدده. وإذا كنت لم تعلم كيف يصنع العاشق في غيبة المعشوق، فأعلم أن كبرياءه حينئذ لا ترى بازائها ما تقاومه فتتخلى عنه وتخذله، وفضيلته لا تجد تستعلن فيه فتتواري وتدعه، وشخصيته لا تجد ما تبرز له فتختفي وتهمله؛ فما يكون من كل ذلك إلا أن يظهر المسكين وحده بكل ما فيه من الوهن والنقص وحدَّة الشوق، وهنا ينتقم الحب مما زوّرت عليه الكبرياء والفضيلة والشخصية فيضرب بحقائقه ضرباتٍ مؤلمةً لا تقوم لها القوة، ويجعل غياب الحبيب كأنه حضوره مستخفياً لرؤية الحقيقة التي كتمت عنه. وكم من عاشقة متكبرة على من تهواه تصدُّه وتباعده، وهي في خلوتها ساجدة على أقدام خياله تمرغ وجهها هنا وهنا على هذه القدم وعلى هذه القدم
ألا إنه لا بد في الحب من تمثيل رواية الامتناع أو الصد أو التهاون أو أي الروايات من مثلها؛ ولكن ثياب المسرح هي دائماً ثياب الاستعارة ما دام لابسها في دوره من القصة
ثم وضع المسكين يده على قلبه وقال: آه.
- قصه عشق حب ابيض واسود2
قصه عشق حب ابيض واسود2
وليس كونهم أدباء أو مشهورين لسبب ما، بمجيز في رأيي أن نجعل من حياتهم الخاصة وأحوالهم الشخصية (معرضاً)؛ وهذا عندي فضول أكرهه وأقل ما فيه أنه يُفقد المرء حريته واستقلاله. وإذا كنت أروى كثيراً مما أكتب على لساني وأورده بضمير المتكلم فليس معنى هذا أن ما أرويه وقع لي وإنما معناه أني أرتاح إلى هذا الأسلوب في القصة وأراه أعون لي على تمثّل ما أحاول وصفه وتصويره. فليس فيما أروي شيء شخصي، وكثيراً ما نبهت إلى هذا، ولكني أهمله أحيانا اعتماداً على فطنة القارئ
ثم إني ثانياً لا أرى الأستاذ توفيق الحكيم موفقاً في رأيه، فليس ضروري أن يكون للرجل امرأة في حياته أو للمرأة رجل في حياتها، أي أن تكون هذه المرأة المعينة هي التي وجهت حياته وجهتها وأثرت فيها تأثيراً جعلها كما هي. والقول بذلك لا يخرج في الحقيقة عن أن يكون مظهر تقليد لبعض ما يكتبه الغربيون. وقد ذكر الأستاذ توفيق السيدة خديجة ونبينا عليه الصلاة والسلام على سبيل التمثيل، واراه في هذا المثال مبالغاً فما تزوج النبي السيدة خديجة لأنه عشقها، بل الذي حدث هو أنه عمل لها في مالها وتجارتها فأعجبت بأمانته وسرها حسن سيرته واستقامته فرغبت هي أن يكون زوجها. قصه عشق حب ابيض واسود 14. وجاءه رسول يدعوه إلى ذلك أو يقترحه عليه وكان هو يعرف لها فضائلها فقبل.
وغفلنا عن الليل، وحسبنا أننا في جنة عدن، فقمت إلى غصن من الغار لأضعه على رأسها، ولكنها قامت تتثنى وتلهو... ثم اختفت بين الخمائل عن أبصارنا... وتلاشى صوتها... ونأى طيفها، ولكن صورتها ما تزال في نفسي لا تغادرها بعد أن تغلبت على كل صورة)
تلك قصة حبه، ولقد كان وفياً لهذا الطيف الذي قبله ورآه واعتقد أنه راجع إليه لا محالة... مجلة الرسالة/العدد 304/المرأة في حياة الأديب - ويكي مصدر. فسماه (زهرة الليل التي تفتحت تحت أشعة القمر الشاحب) وسماه (الطيف الوردي الأشقر الذي اختفى بين الأعشاب، والتف بالسحاب)
وفكر شاعرنا طويلاً في زهرة الليل، فانكب على السحر وما يمتّ إليه بسبب يدرسه ويقرأ أصوله كأنما أراد أن يسخره لإحضار أدريان. وكان يسمع عن الشرق أقاصيص حلوة طربت لها نفسه ورضى عنها هواه، فتمنى لو زار تلك البلاد التي هبطت إليها الأحلام، ورتعت بين جنباتها الأوهام، فيدرك ما فيها من أمور يحيط بها الغموض والخفاء. وخيل إليه أن أدريان هي بلقيس صاحبة العرش العظيم، أتت إلى القصر الأحمر لتهمس في أذنه أسرار الدنيا وتدله على طريق الخلود ويذكر لنا من كتب عنه أنه كان يعتقد في تقمص الأرواح، وأن نظرته إلى أدريان كانت نتيجة لذلك الرأي. ولقد أصبح هذا الرأي لديه يقيناً عندما قضى بين دروز سورية ردحاً من الزمن غير قصير.