وانتصب { كل شيء} على المفعولية ل { خلقناه} على طريقة الاشتغال ، وتقديمه على { خلقناه} ليتأكد مدلوله بذكر اسمه الظاهر ابتداء ، وذكر ضميره ثانياً ، وذلك هو الذي يقتضي العدول إلى الاشتغال في فصيح الكلام العربي فيحصل توكيد للمفعول بعد أن حصل تحقيق نسبة الفعل إلى فاعله بحرف { إنّ} المفيد لتوكيد الخبر وليتصل قوله: { بقدر} بالعامل فيه وهو { خلقناه} ، لئلا يلتبس بالنعت لشيء لو قيل: إنا خلقنا كل شيء بقَدَر ، فيظن أن المراد: أنا خلقنا كل شيء مُقدّر فيبقى السامع منتظراً لخبر { إن}.
خطبة عن قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
المغامسي يشرح الآية "إنا كل شيء خلقناه بقدر" - YouTube
إنا كل شيء خلقناه بقدر - موقع مقالات إسلام ويب
من أركان الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره كما في حديث جبريل المشهور، وقال الله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان:2]، والله يقول: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر:49]، و"كل" من صيغ العموم، فكل شيء خلقه الله بقدر. يقول الله سبحانه: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء:35]، فالله خالق كل شيء من الخير والشر، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر:62]، وقال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق:1-2] فلا خالق إلا الله. لكن الله سبحانه لا يخلق الشر إلا لحكمة، حتى إبليس خلقه الله تعالى لحكمة، فالله هو أحكم الحاكمين، ولم يخلق شيئًا عبثًا بلا حكمة؛ ولهذا لا يُنسب إلى الله الشر المحض الذي ليس فيه حكمة كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه: " الخير كله في يديك، والشر ليس إليك". الإيمان بالقدر خيره وشره. وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء:78- 79].
الإيمان بالقدر خيره وشره
القدر سر الله في خلقه: قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "وَأَصْلُ القَدَرِ سِرُّ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ، لم يَطَّلِعْ على ذلك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، والتَّعَمُّقُ والنظرُ في ذلك ذَرِيعَةُ الخِذْلاَنِ، وَسُلَّمُ الحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ. فَالحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن ذلكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى طَوَى عِلْمَ القَدَرِ عن أَنَامِهِ، وَنَهَاهُم عن مَرَامِهِ كما قالَ تعالى في كتابِهِ: { لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُم يُسْئَلُونَ}. فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فقد رَدَّ حُكْمَ الكتابِ. وَمَن رَدَّ حُكْمَ الكتابِ كانَ مِن الكافرينَ". وقال الإمام الآجرى: "لا يحسن بالمسلمين التنقير والبحث في القدر؛ لأن القدر سر من أسرار الله عز وجل". إنا كل شيء خلقناه بقدر - موقع مقالات إسلام ويب. وقال الإمام أحمد: من السنة اللازمة: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها، لا يقال: لم ولا كيف؟ إنما التصديق بها والإيمان بها. ومن لم يعرف تفسير الحديث، ولم يبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به، والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، وما كان مثله في القدر". وقال الطحاوي أيضا: "فإنه ما سَلِمَ في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه، ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسًا تائهًا شاكًا، لا مؤمنًا مصدقًا، ولا جاحدًا مكذبًا".
إنا كل شيء خلقناه بقدر - طريق الإسلام
ويقول ابن عباس: خلق الله الخلق كلهم بقدر, وخلق لهم الخير والشرّ بقدر, فخير الخير السعادة, وشرّ الشرّ الشقاء, بئس الشرّ الشقاء.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي ، حدثني قرة بن حبيب ، عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ، عن سعيد بن عمرو بن جعدة ، عن ابن زرارة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا هذه الآية: ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، قال: " نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله ". ان كل شيء خلقناه بقدر تفسير. وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان بن شجاع الجزري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم ، وقد ابتلت أسافل ثيابه ، فقلت له: قد تكلم في القدر. فقال: أو [ قد] فعلوها ؟ قلت: نعم. قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم ، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين. وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر ، وفيه مرفوع ، فقال: حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، عن بعض إخوته ، عن محمد بن عبيد المكي ، عن عبد الله بن عباس ، قال: قيل له: إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر فقال: دلوني عليه - وهو أعمى - قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج ، تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك هذه الأمة ، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا ".