فقولُ يُوسُفَ عليهِ السلامُ (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) كقولِ يَعقُوبَ عليهِ السلامُ لولدِهِ (وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (سورة البقرة 132) وإنما دعا بِهِ يُوسُفُ عليهِ السلام ليقتدِيَ بِهِ قَوْمُهُ ومَنْ بعدَهُ مـمن ليسَ بـمأمونِ العاقبةِ، لـهذا الغرضِ طلبَ مِنَ اللهِ أنْ يَتَوَفَّاهُ مُسلمًا مَعَ أَنَّهُ شَىءٌ لا شَكَّ فيهِ، كما نقولُ في كُلِّ صلاةٍ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (سورة الفاتحة 6). ثُمَّ أَلَيسَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يقولُ في كُلِّ صلاةٍ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (سورة الفاتحة 6) مع أنَّهُ كانَ مُهْتَدِيًا قَبلَ ذلكَ قبلَ نزولِ الفاتحةِ؟! ومعنى قولِهِ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (سورة الفاتحة 6) أَكْرِمْنَا باستدامةِ الهدايةِ على الإسلامِ، هو الرسولُ عليهِ السلامُ كانَ مُؤْمِنًا مِنْ أَوَّلِ نشأَتِهِ إنـما الـمرادُ الثباتُ على الهُدى، وإنما التَثبيتُ على الشىءِ الحاصلِ وليسَ على شىءٍ لم يَحصُلْ، كما كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقولُ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُونٌ عَليهِ ولكِنْ لِيُعَلِّمَ أُمَّتَهُ (اللَّهمَّ يا مُقَلبَ القَلوبِ ثَبِّتْ قُلوبَنا على دِينِكَ) رواهُ البيهقيُّ.
قولُ الله تعالى (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) | موقع سحنون
منها:
أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها ،
وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته. ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك. ومنها:
أنه يضعف النفس ، ويحدث الخور والكسل ،
ويوقع في اليأس. والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور ،
والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره ،
وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به. وذلك موجب لأمرين:
- اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها ،
- والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه. أن تمني الموت جهل وحمق ،
فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت ،
فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه ،
من عذاب البرزخ وأهواله. أن الموت يقطع على العبد
الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيام بها ،
وبقية عمر المؤمن لا قيمة له ،
فكيف يتمنى انقطاع عمل الذرة منه خير من الدنيا وما عليها. وأخص من هذا العموم:
قيامه بالصبر على الضر الذي أصابه ،
فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب. ولهذا قال في آخر الحديث:
( فإن كان لا بد فاعلا فليقل:
اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)
فيجعل العبد الأمر مفوضا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له ،
الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد ،
ويريد له من الخير ما لا يريده ،
ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه.
واستجابَ اللهُ تعالى دُعاءَ يُوسُفَ عليهِ السلامُ فلَمْ يَلْبَثْ إلا قليلًا حتى وافاهُ الأَجلُ فارْتَحَلَ والْتَحَقَ بآبائِهِ وصالحِي إِخوانِهِ فسلامُ اللهِ عليهِ وعلَيهِم وعلى كُلِّ المرسَلِينَ والحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ. اللَّهُمَّ إنَّا ءَامَنَّا بِكَ وبملائِكَتِكَ وبِرُسُلِكَ فَثَبِّتْنا على الصراطِ المستقِيمِ والهَدْيِ القَوِيمِ.