[ ص: 641] القول في تأويل قوله تعالى: ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( 22) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ( 23))
يقول تعالى ذكره: سيقول بعض الخائضين في أمر الفتية من أصحاب الكهف ، هم ثلاثة رابعهم كلبهم ، ويقول بعضهم: هم خمسة سادسهم كلبهم ( رجما بالغيب): يقول: قذفا بالظن غير يقين علم ، كما قال الشاعر: وأجعل مني الحق غيبا مرجما
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل. تفسير قوله تعالى .. سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ... ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب): أي قذفا بالغيب. حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( رجما بالغيب) قال: قذفا بالظن. وقوله ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) يقول: ويقول بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم. ( قل ربي أعلم بعدتهم) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقائلي هذه الأقوال في عدد الفتية من أصحاب الكهف رجما منهم بالغيب: ( ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم) يقول: ما يعلم عددهم ( إلا قليل) من خلقه.
تفسير قوله تعالى .. سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ..
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾: من أهل الكتاب. كنا نحدّث أنهم كانوا بني الركنا [[الركنا: كذا بالقصر، ولعله أصله الركنا بالمد، جمع ركين، وهو من الرجال: الوقور الرزين أو القوي بعشيرته وكثرتها. ]] والركنا: ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتفرّدوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على أصمختهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمَّتهم وجاءت أمَّة مسلمة بعدهم، وكان ملكهم مسلما.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الكهف - القول في تأويل قوله تعالى " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم "- الجزء رقم17
[ ص: 642]
كما حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما يعلمهم إلا قليل) يقول: قليل من الناس. وقال آخرون: بل عنى بالقليل: أهل الكتاب. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ( ما يعلمهم إلا قليل) قال: يعني أهل الكتاب ، وكان ابن عباس يقول: أنا ممن استثناه الله ، ويقول: عدتهم سبعة. حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ما يعلمهم إلا قليل) قال: أنا من القليل ، كانوا سبعة. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله ، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الكهف - القول في تأويل قوله تعالى " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم "- الجزء رقم17. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، قال: قال ابن جريج: قال ابن عباس: عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم ، وأنا ممن استثنى الله. حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( ما يعلمهم إلا قليل) قال: كان ابن عباس يقول: أنا من القليل ، هم سبعة وثامنهم كلبهم. وقوله: ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تمار يا محمد: يقول: لا تجادل أهل الكتاب فيهم ، يعني في عدة أهل الكهف ، وحذفت العدة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة السامعين بالمراد.
تفسير: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب)
أخوكم في الله الناصر لدين محمد رسول الله – صلّى الله عليه وآله وسلّم –
الإمام ناصر محمد اليماني.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-02A-2
وهذا مما يقوي طريق النحويين في الواو ، وأنها كما قالوا. وقال القشيري: لم يذكر الواو في قوله: رابعهم سادسهم ، ولو كان بالعكس لكان جائزا ، فطلب الحكمة والعلة في مثل هذه الواو تكلف بعيد ، وهو كقوله في موضع آخر وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم. وفي موضع آخر: إلا لها منذرون ذكرى. قوله تعالى: قل ربي أعلم بعدتهم أمر الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه - عز وجل -. ثم أخبر أن عالم ذلك من البشر قليل. والمراد به قوم من أهل الكتاب; في قول عطاء. وكان ابن عباس يقول: أنا من ذلك القليل ، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، ثم ذكر السبعة بأسمائهم ، والكلب اسمه قطمير كلب أنمر ، فوق القلطي ودون الكردي. وقال محمد بن سعيد بن المسيب: هو كلب صيني. والصحيح أنه زبيري. وقال: ما بقي بنيسابور محدث إلا كتب عني هذا الحديث إلا من لم يقدر له. قال: وكتبه أبو عمرو الحيري عني. قوله تعالى: فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا أي لا تجادل في أصحاب الكهف إلا بما أوحيناه إليك; وهو رد علم عدتهم إلى الله - تعالى -. وقيل: معنى المراء الظاهر أن تقول: ليس كما تقولون ، ونحو هذا ، ولا تحتج على أمر مقدر في ذلك.
تفسير: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ... - منتديات ال باسودان
وقال آخرون: المِراء الظاهر هو أن يقول ليس كما تقولون، ونحو هذا من القول. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ قال: أن يقول لهم: ليس كما تقولون، ليس تعلمون عدتهم إن قالوا كذا وكذا فقل ليس كذلك، فإنهم لا يعلمون عدّتهم، وقرأ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) حتى بلغ ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾. وقوله: ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾
يقول تعالى ذكره: ولا تستفت في عدّة الفتية من أصحاب الكهف منهم، يعني من أهل الكتاب أحدا، لأنهم لا يعلمون عدتهم، وإنما يقولون فيهم رجما بالغيب، لا يقينا من القول. ⁕ حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) قال: هم أهل الكتاب. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ من يهود. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾: من يهود، قال: ولا تسأل يهودَ عن أمر أصحاب الكهف، إلا ما قد أخبرتك من أمرهم.
لذلك أبهمهم الله سبحانه وتعالى لتتحقّق الفائدة المرجوّة من القصّة، أبهمهم زماناً، وأبهمهم مكاناً، وأبهمهم عدداً، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدّنيا كلّها، فلا يرتبط بزمانٍ ولا مكانٍ ولا أشخاص، فحمل راية الحقّ، والقيام به أمرٌ واجبٌ وشائعٌ في الزّمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عَيْن البيان للقصّة القرآنيّة، كما قال سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ [غافر: من الآية 28]، هكذا ﴿ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ ﴾ من غير أن يذكر عنه شيئاً، فالمهمّ أنّ الرّجولة في الإيمان، أيّاً كان هذا المؤمن في أيّ زمانٍ، وفي أيّ مكانٍ، وبأيّ اسمٍ، وبأيّ صفةٍ. كذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ﴾ [التّحريم: من الآية 10]، ولم يذكر عنهما شيئاً، ولم يُشخِّصهما؛ لأنّ التّشخيص هنا لا يفيد، فالمهمّ والمراد من الآية بيانُ أنّ الهداية بيد الله سبحانه وتعالى وحده، وأنّ النّبيّ المرسَل من الله عز وجل لم يستطع هداية زوجته وأقرب النّاس إليه، وأنّ للمرأة حريةً عَقَديّةً مُطْلقةً. وكذلك في قوله عز وجل: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾ [التّحريم: من الآية 11]، ولم يذكر لنا مَنْ هي، ولم يُشخِّصها؛ لأنّ تعيُّنها لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، المهمّ أن نعلم أنّ فرعونَ الّذي ادَّعى الألوهيّة وبكلّ جبروته وسلطانه، والّذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النّازعات: من الآية 24]، لم يستطع أنْ يحمل امرأته على الإيمان به.