فقال عز وجل: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لإيلاف قريش يعني: فعل ذلك، ليؤلف قريشاً بهاتين الرحلتين، اللتين بهما عيشهم ومقامهم بمكة. وقال أهل اللغة: ألفت موضع كذا، أي: لزمته وألفنيه الله. كما يقال: لزمته موضع كذا، ألزمنيه الله. وكرر لإيلاف على معنى التأكيد، كما يقال: أعطيتك المال لصيانة وجهك، وصيانتك عن جميع الناس.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة قريش
كان هاشم قد اعتاد السفر للتجارة في الشام، سواء في سوقها "غزة" أو أحياناً في بعض أسواق الشمال مثل "بُصرى" وتقول الرواية أنه تعمّد عند دخوله أسواق الشام أن يذبح كل يوم ذبيحة ويصنع طعاماً لكل القافلة، وهو أمر ملفت للنظر، حتى بلغ صنيعه قيصر الروم الذي طلب إحضاره إليه ولقاءه. وبعد بضع لقاءات مع القيصر الذي أعجب بشخصيته، اقترح هاشم على الحاكم البيزنطي أن يمنحه كتاباً يفتح أسواق الشام أمام التجارة الآتية من مكة، وأن يمنح التجار المكيين تسهيلات في المرور والتحرك بين المدن الشامية التي يحكمها البيزنطيون، وكذلك فيما يخص المكوس (الجمارك) المفروضة عليهم، وأن يَفِد التجار من رعايا بيزنطة على أسواق العرب بتجارتهم، على أن يضمن هاشم تأمين الطريق لتلك التجارة بين مكة والشام ذهاباً وإياباً. "أيها الملك إن قومي تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتاباً تؤمن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه فتباع عندكم فهو أرخص عليكم"، من حديث هاشم بن عبد مناف للقيصر.
تفسير سورة قريش - اختبار تنافسي
وبالفعل حصل هاشم على موافقة زعماء القبائل على هذا الاتفاق، وهو ما يسمى في لغتهم بـ"حصل على حبل منهم" كناية عن الارتباط بعهد. من هنا بدأت مكة تصبح مركزاً رئيسياً لتجارة الشام في جزيرة العرب، بل وصار التجار البيزنطيون يتوافدون عليها ويدفعون لسادتها ضريبة العُشر مقابل إتجارهم في أسواقها وحصولهم على حق الحماية والخدمة. جدير بالذكر أن بيزنطة لم تنظر لهذه الاتفاقية كمكسب تجاري فحسب، بل أنها قد وظفت فتح أسواق وسط الجزيرة أمام تجارتها لصالح شبكات من الجواسيس بثتهم في تلك الأسواق لنقل أخبار مناطقها إلى السلطات والوقوف على أية تحركات من شأنها إقلاقها خاصة من جانب الفرس. توفيَ هاشم خلال إحدى رحلاته بمدينة غزة، فاستكمل باقي إخواته "بنو عبد مناف"، أي عبد شمس ونوفل والمطلب، مشروعه الكبير. توجه عبد شمس إلى الحبشة وقابل النجاشي مقدماً له نفس عرض هاشم لقيصر الروم، وبالفعل حصل منه على "عهد" مشابه وفُتِحَت أسواق الحبشة أمام التجارة المكية. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة قريش. وسافر نوفل إلى بلاد فارس ليعقد اتفاقاً مشابهاً مع الأكاسرة ومع ملوك الحيرة بالتبعية، مما فتح أسواق العراق أمامه، أما المطلب فقد كان نشاطه بين زعماء قبائل اليمن حيث أعطوه العهود المطلوبة، وهي خطوة عكست فهمه طبيعة الوضع المتقلب لليمن حيث كانت السلطة المركزية آنذاك غير مستقرة في مقابل رسوخ الزعامات المحلية.
تفسيرقوله تعالى &Quot;لإيلاف قريش&Quot; سورة قريش
قال: وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان. ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: ( فليعبدوا رب هذا البيت) أي: فليوحدوه بالعبادة ، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما ، كما قال تعالى: ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين) [ النمل: 91]
وقوله: ( الذي أطعمهم من جوع) أي: هو رب البيت ، وهو " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " أي: تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ، ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا.
معنى( لايلاف قريش) أحداث غيرت التاريخ - Youtube
فقد أدى إلى ضمان عدم انقطاع السلع بسبب الحروب والنزاعات، حيث أصبحت مكة مركزاً وسيطاً بين القوى المتحاربة، ينقل تجارة هذه لتلك وبالعكس دون تأثر بالمتغيرات السياسية. كذلك فقد التزمت القبائل المسيطرة على طرق النقل التجاري بـ"الحبال" التي أعطتها لبني عبد مناف، لما لها فيها من مصالح، بل وزادت من إنتاجها وفوائضها لتزيد من ربحها من المشاركة في القوافل. إضافة لذلك فقد ارتفع نشاط الصرافة نظراً لتداول عملات يمنية وفارسية وبيزنطية جراء تجارة تلك الدول في الجزيرة، فعرف المكيون نشاط الصيارفة، وأثروا من ذلك. وقد أدى أيضاً إلى تسهيل تداول التجارات القادمة من خارج الجزيرة، فتجارة مصر كانت تأتي عبر الشام، وتجارة الحبشة عبر البحر الأحمر، وتجارة الهند عبر اليمن، وهكذا، مما أدى لارتفاع نشاط الموانيء بالذات على البحر الأحمر مثل ينبع وجدة. وارتفع اهتمام المكيون بالمشاركة في التجارة الخارجية، فلم يعد ذلك مقتصراً على أثرياء البلد بل لقد شاركت الفئات الأقل ثراء سواء من مدخراتها أو من خلال الاقتراض الربوي مما أدى لازدياد أربح المرابين. وسارعت بعض القبائل إلى طلب دخول الإيلاف أو الاستفادة منه حتى وإن لم تكن واقعة على طرق التجارة المعتادة، طمعاً منها في الربح وكذلك للاستفادة من حماية قوافلها خلال مرورها بمناطق "الإيلاف"، ففتحت بذلك طرقاً وأسواقاً جديدة.
ذكره النحاس: حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمرو بن علي قال: حدثني عامر بن إبراهيم - وكان ثقة من خيار الناس - قال حدثني خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال: حدثني أبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، في قوله تعالى: لإيلاف قريش قال: نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. قال: كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف. وعلى هذا القول يجوز الوقف على رءوس الآي وإن لم يكن الكلام تاما; على ما نبينه أثناء السورة. وقيل: ليست بمتصلة; لأن بين السورتين بسم الله الرحمن الرحيم وذلك دليل على انقضاء السورة وافتتاح الأخرى ، وأن اللام متعلقة بقوله تعالى: فليعبدوا أي: فليعبدوا هؤلاء رب هذا البيت ، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتيار. وكذا قال الخليل: ليست متصلة; كأنه قال: ألف الله قريشا إيلافا فليعبدوا رب هذا البيت. وعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لأنها زائدة غير عاطفة; كقولك: زيدا فاضرب. وقيل: اللام في قوله تعالى: لإيلاف قريش لام التعجب; أي اعجبوا لإيلاف قريش; قاله الكسائي والأخفش. وقيل: بمعنى إلى. وقرأ ابن عامر: ( لإئلاف قريش) مهموزا مختلسا بلا ياء. وقرأ أبو جعفر والأعرج ( ليلاف) بلا همز طلبا للخفة. الباقون لإيلاف بالياء مهموزا مشبعا; من آلفت أولف إيلافا.
والأولى أن قوله: ( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) يشمل معاني هذه الألفاظ كلها لأن بين الجميع قدراً مشتركاً. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الفرقان - قوله تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا- الجزء رقم20. (4) قال النسفي: أتصبرون على هذه الفتنة فتؤجروا، أم لا تصبرون فيزداد غمّكم؟ حكي أن بعض الصالحين تبرّم بضنك عيشه، فخرج ضجِراً، فرأى خصياً في مواكب ومراكب، فخطر بباله شيء، فإذا بقارئ يقرأ هذه الآية، فقال: بل نصبر، ربّنا. قال القشيري: هو استفهام بمعنى الأمر، فمن قارنه التوفيقُ صبر وشكر، ومن قارنه الخذلان أبى وكفر. وقيل: هو الأمر بالإعراض عما جعل في نظره فتنة، كما قال: ( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) [طه: 131] فينبغي ألا ينظر بعض إلى بعض، إلا لمن دونه، كما ورد في الخبر.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الفرقان - قوله تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا- الجزء رقم20
قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ فإذا رأى الشريفُ الرئيسُ المسكينَ الذليلَ قد سَبَقَهُ إلى الإيمان ومتابعةِ
الرسول؛ حَمِىَ وأنِفَ أن يُسْلِمَ فيكون مثله! وقال: أُسلم فأكون أنا وهذا الوضيع
على حد سواء؟! قال الزَّجَّاج: كان الرجلُ الشريفُ ربما
أراد الإسلام، فيمتنع منه لئلا يقال: أسلم قبله من هو دونه، فيقيمُ على كفرهِ؛ لئلاّ
يكون للمسلم السابقةُ عليه في الفضل. ومن كون بعض الناس لبعضهم فتنة:
أن الفقير يقول: لِمَ لَمْ أكنْ مثل الغنيّ
؟! ويقول الضعيف: هلاَّ كنتُ مثل القوي
ويقول المبتلَى: هلا كنتُ مثل المعافَى
وقال الكفار: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ
حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ﴾. وقفات قرآنية: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} - خالد سعد النجار - طريق الإسلام. قال مُقاتل: نزلت في افتتانِ المشركين بفقراء المهاجرين
- نحو بلال، وخبّاب، وصهيب، وأبي ذرٍّ، وابن مسعود، وعمّار - كان كفّارُ قريشٍ يقولون:
انظروا إلى هؤلاء الذين تَبِعوا محمداً من موالينا وأراذلنا ؟! قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا
فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى
أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا
صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ فأخبر - سبحانه - أنه جزاهم على صبرهم كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾.
﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ؛ أتصبرون﴾
وقوله: (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) يقول: وربك يا محمد بصير بمن يجزع ومن يصبر على ما امتحن به من المحن. كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) إن ربك لبصير بمن يجزع، ومن يصبر.
معنى “أتصبرون” في قولِ اللهِ تعالى “وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ” – التصوف 24/7
وقيل: كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمّار وصهيب وبلال وفلان وفلان فرفعوا علينا إدلالاً بالسابقة فهو افتتان بعضهم ببعض" انتهى.
وقفات قرآنية: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} - خالد سعد النجار - طريق الإسلام
"وإذا علمت معنى كون بعضهم فتنة لبعض. فاعلم أن قوله تعالى: { فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام من الآية 53].
والكافر مفتون بالمؤمن في الدنيا كما أن المؤمن مفتون به ولهذا سأل المؤمنون ربهم
أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا كما قال الحنفاء: رَبَّنَا
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
وقال أصحاب موسى عليه السلام: رَبَّنَا
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
قال مجاهد: المعنى لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك
فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا
وقال الزجاج: معناه: لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على حق
فيفتنوا بذلك.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾. فالفتنةُ قَسَمتِ الناس إلى صادقٍ وكاذبٍ، ومؤمن ومنافق، وطيبٍ وخبيث، فمن صبر عليها؛ كانت رحمةً في حقِّه، ونجا بصبره من فتنةٍ أعظم منها، ومن لم يصبر عليها؛ وقع في فتنةٍ أشّدَّ منها.