سلسلة قيم التربية الاجتماعية المستنبطة من السنة النبوية المطهرة
بقلم: د. محمد خضر شبير
قيمة التواضع وعدم الكبر
إن التواضع قيمة سامية من قيم التربية الاجتماعية التي دعا لها الدين الإسلامي، وحثت عليها سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في مواضع كثيرة منها قوله: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ». التواضع والزهد وعلو الهمة من دروس غزوة الخندق. وما ورد عنه أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ»
حيث إن التواضع يؤدي إلى الألفة والمحبة بين الناس، ويزيل الغل والشحناء من قلوبهم، وهو تهذيب للنفس أمام خالقها، وبه تسمو وترتقي بحب الآخرين وتقديرهم. وحذرت السنة النبوية من الكبر والتكبر على الآخرين، وذلك لمآلها وسوء عاقبتها، حيث ورد في الحديث الشريف: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»
وفي ذلك دلالة واضحة إلى أن الشخص المتكبر هو منبوذ في مجتمعه، ولا يجوز التعامل معه، حتى يعود إلى رشده وصوابه، وكما ورد في الحديث السابق، فإن من يحمل في قلبه مثقال ذرة من كبر، لن يدخل جنة الرحمن ولن يتمتع بنعيمها، وهي دعوة نبوية إلى التواضع، وجعله ثقافة في حياة المرء، حيث إنها سمة الأنبياء عليهم أفضل السلام وأتم التسليم.
التواضع والزهد وعلو الهمة من دروس غزوة الخندق
وقد سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: «أن تخضع للحق وتنقاد إليه، ولو سمعته من صبي قبلته»، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «لا يحقرن أحد أحداً من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير». وتواضع المسلم - كما يقول د. رمضان بسطويسي أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة عين شمس المصرية يكون أولاً لخالقه عز وجل، فالمسلم يتواضع مع الله بأن يتقبل أوامره ونواهيه، ولا يجادل ولا يعترض على أوامر الله، ويتواضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يتمسك بسنته وهديه، فيقتدي به في أدب وطاعة، ومن دون مخالفة لأوامره ونواهيه، ثم يتواضع المسلم مع خلق الله بألا يتكبر عليهم، وأن يعترف بحقوقهم، وأن يتعامل معهم بود ورفق ورحمة، وأن يؤدي لكل منهم حقه، بدءاً بأهل بيته وانتهاء بأبسط الناس وأضعفهم من خدم وفقراء ومتسولين وغيرهم. اختبر شخصيتك فيس بوك. وبهذا يكون التواضع أساس كل الفضائل والقيم النبيلة والسلوكيات الحميدة. رفعة من الله
ويضيف: التواضع صفة من أجلّ الصفات التي يتصف بها الإنسان، وهي تدل على طهارة النفس، وتدفع إلى المودة والمحبة والمساواة بين أفراد المجتمع، وتنشر الثقة والترابط الإنساني بينهم، وتمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس.. يقول صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، كما يقول عليه الصلاة والسلام: «من تواضع لله رفعه الله»، وقال في حديث ثالث: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد».
ما أجمل أن يحيا الإنسان بين قوم يحبهم ويحبونه، ويألفهم ويألفونه، وحين يفقد الإنسان هذا الحب في بيئته ومجتمعه فإنه يعيش في جحيم وتعاسة وإن ملك الدنيا كلها؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس". صحيح أن رضا الله تعالى هو قصد المسلم وأمنيته، لكن ما التعارض بين السعي في رضا الله تعالى والفوز بمحبة الناس؛ بل إننا على يقين أننا لن نفوز بمحبة الناس حقًّا إلا إذا أحبنا الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله تعالى إذا أحب عبدًا وضع له القَبول في الأرض، وإن أبغض عبدًا نفرت منه قلوب الناس. إذا لا تعارض أبدًا بين إرضاء الله والأخذ بأسباب التودد والتحبب إلى الناس، وأرجو أن تتأمل معي هذا الموقف العجيب من الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه حين يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأله الدعاء لكن بماذا؟ أبمال وعيال؟ أبمنصب أو جاه؟ لا والله إنما قال: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبِّب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين".
اختبر شخصيتك فيس بوك
إن حرص المسلم على التودد والتحبب إلى الناس لا ينبغي أن يكون لغرض دنيوي، بل امتثالاً لشريعة الله التي أمرت بالتآخي والمحبة بين المسلمين، ومن جانب آخر بدافع الحرص على فتح القلوب لقبول دعوة الحق، ولعل هذا المعنى العظيم هو ما تجلى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.. ". بل إنه لن يستكمل الإيمان إلا إذا كان حبه وبغضه لله، كما في الحديث: "من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان". البشاشة وحسن الخلق
ولا شك أن حسن الخلق ورقة الطبع من أعظم أسباب التودد إلى الناس، كما أن البشاشة والتبسم عند اللقاء تزرع في القلوب محبة لا يعلم قدرها إلا الله، وقد جاء في وصف بعض الصحابة له صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
2) أنها سبب لمغفرة الذنوب: حيث جاء في التوجيه النبوي: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». 3) أنها شعبة من شعب الإيمان: ودلل على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَرْفَعُهَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ». 4) أنها صدقة: كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». كما أن عدم إماطة الأذى عن الطريق يعد مصدراً من مصادر الإيذاء للمسلمين، حيث إن المسلمين يتأذون من وينفرون مما يلقى على الطرقات من القمامة، أو الروائح الكريهة، وليس هذا فحسب، فالملائكة أيضاً تتأذي من ذلك، لما صح عنه (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ ابْنُ آدَمَ». وبذلك يمكن القول بأن السنة النبوية دعت إلى الحفاظ على الطبيعة، والحياة المجتمعية من أي أذى، وأكدت على عظيم ثواب إماطة الأذى عن الطريق، واصفة ذلك الثواب بدخول الجنة، ومغفرة الذنوب، وشعبة من شعب الإيمان، والصدقة، ومحذرة من عدم إماطتها، لأنها تؤذي الملائكة أيضاً.
التودد والتحبب إلى الناس - موقع مقالات إسلام ويب
وكانت الجارية تستوقفه في الطريق فتحدثه، فما ينصرف حتى تفرغ هي وتنصرف، وكان يخدم نفسه، ولا يضرب أمةً ولا خادمًا، وكان لا يمسح أن يُدفع عنه أحد، بل كل من أراد الوصول إليه ولقاءه تمكن من هذا. وأرجو أن تتخيل معي كيف محبة الناس لرجل اجتمعت فيه هذه كل الصفات الطيبة؟! الهدية من أسباب المحبة. كذلك فإن من أهم أسباب المحبة والمودة التهادي بين الناس؛ فإن الناس قد جُبلوا على محبة من يعطيهم، ولهذا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تهادوا تحابوا". إفشاء السلام:
كذلك فإن إفشاء السلام بين أبناء المجتمع من أسباب المودة، وقد بينا ذلك بالتفصيل في مقال سابق فليُرجع إليه. إن التحبب إلى الناس يحتاج بعد توفيق الله إلى فقه في معاملتهم، ولو عملنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". لكفانا.
[١٣] ما رواة الصحابي الجليل عياض بن حمار رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله: ان الله اوحي الى ان تواضعوا حتي لا يفخر
أحد على احد، ولا يبغى احد على احد،[١٤]أى ان يتواضع العبد لأخيه، سواء اكان كعمره
أو اكبر منه او اصغر منه. ما رواة الصحابي الجليل حارثه بن و هب رضى الله عنه انه سمع
النبي صلى الله عليه و سلم يقول: الا اخبركم بأهل الجنة قالوا: بلى، قال صلى الله عليه
وسلم: كل ضعيف متضعف، لو اقسم على الله لأبره، ثم قال: الا اخبركم بأهل النار قالوا: بلى
، قال: كل عتل جواظ مستكبر. [١٥] فهذه النصوص النبويه و الآيات الشريفه تدل على اهمية
التواضع فالإسلام و مكانتة الرفيعة. ثمرات التواضع ذكر العلماء رحمهم الله للتواضع في
الإسلام ثمار و فائدة كثيرة، وتلك الثمرات ربما توصل اليها العلماء رحمهم الله من اثناء بحثهم
فى النصوص القرآنيه و الأحاديث النبويه سالفه الذكر، وغيرها من النصوص، ومن ابرز تلك الثمرات
ما يأتي:[١٦] محبه الله تعالى لعبادة المتواضعين؛ فإن الله تعالى مدح فالقرآن الكريم
التذلل لعبادة المؤمنين، وايضا خفض الجناح و الذل للوالدين. اكرام الله تعالى للعباد
المتواضعين يوم القيامة. رفعه الله تعالى لعبادة المتواضعين فالدنيا و الآخرة.